بقلم : محمد خليل الحوري
من المعروف إن للصحافة دورا كبيرا وبارزا في نشر الفكر والوعي الثقافي والإجتماعي والسياسي ، بالإضافة إلى تزويد القاريء بالمعلومات والأخبار المفيدة ، وكل ما يطمح إليه من معرفة وثقافة ، تفيده في تسيير أمور حياته اليومية ، فضلا لما تلعبه الصحافة من أدوار مهمة في حياة الفرد والمجتمع ، لكونها تسعى وتعمل على توصيل مختلف الشئون والقضايا والمشكلات ، التي تكون مصدر قلق ومعاناة للمواطن ، إلي المسئولين وأصحاب الشأن ، في أية دولة كانت في هذا العالم .
وقد تساهم الصحافة في إيجاد الحلول للكثير من هذه القضايا والمشكلات ، أو قد تعمل على تحريك المياه الراكدة ، وإثارة المواضيع العامة والملفات العالقة ، لتحفز وتدفع أصحاب الشأن واقرار لأن يتحركوا لتبنيها والنظر فيها ، وإيجاد الحلول المناسبة والعادلة لها ، ولقد نجحت الصحافة في تغيير بعض الأوضاع السائدة ، التي كانت تسبب قلق وإزعاج المواطن ، وتحرمه من بعض حقوقه المشروعة ، أو تعرقل حصوله على ما يسعى إليه من مطالب ومتطلبات حيوية ومهمة لتسيير أمور حياته اليومية .
وقد يكون للصحافة دورا هاما وخطيرا في تغيير بعض الأنظمة والقوانين المعمول بها - والتي قد أكل الـدهر عليها وشـرب - وتحتاج إلى تغيير أو إعادة النظر فيها ، لكونها لا تتماشى مع متطلبات وروح العصر ، وتسعى الصحافة المخلصة جاهدة ، لكشف الفساد والتلاعب والزيف والتزوير ، الذي عادة ما يعشعش في أوساط المرافق الحيوية ، والمؤسسات الخدمية العامة والهامة ويستشري في مفاصلها وينخر في عظامها ، دون أن تجد من يحاول الإطلاع على ما يدور فيها ، والبحث عن الأسباب والمسببات لما يشاع فيها من فساد مالي وإداري ، لمحاربته ومعاقبة القائمين والمتسببين فيه ، رغم كثرة الإنتقادات والشكاوي المتكررة من قبل عامة الناس .
فلهذا تسمى الصحافة بالسلطة الرابعة ، حيث تعد ضمن السلطات الثلاث التي تسيّر نظام الحكم في أية دولة كانت في العالم ، وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، فأكتسبت الصحافة المهابة والرفعة والشرف ، فمنحوها هذه التسمية – صاحبة الجلالة – لأن تأثيرها وما تطرحه وما تطالب به من إقتراحات وحلول لمشكلات وقضايا كثيرة ، قد تكون أكثر فعالية وتأثيرا ، مما تقوم به تلك السلطات الثلاث مجتمعة .
ولذا نجد بأن بعض المتنفذين والمسئولين ، يعتبرون الصحافة عدوهم اللدود الذي يتربصون به الدوائر ، ليتصيّدوا على الصحافي أية هفوة أو كبوة أو إنتقاد لهم أو لدوائرهم ، ليجرجروه إلى أقبية النيابة العامة ودهاليز المحاكم ومتاهاتها ، وذلك بتوجيه الإتهامات إليه ورفع القضايا الجنائية عليه ، ليكون عرضة لسطوة وملاحقة القانون ، وطائلة ومسائلة القضاء .
ومن أهم القضايا التي تشغل بال المواطن وتفكيره ، وتسيطر على جل إهتماماته وميوله ، هو شغفه ورغبته الملحة في معرفة ، ومتابعة ما يجري وما يدور من حوله من قضايا وأحداث ، تمس أوضاع بلاده ومجتمعه وأمته ، وما يحدث وما يستجد من أمور في كافة أنحاء العالم ، وهو يتابعها عبر مختلف الوسائل المتاحة لديه إذ أصبح عالمنا هذا مجرد قرية صغيرة ، تتناقل فيها الأحداث والأخبار والوقائع ، وكل ما يحدث فيها دقيقة بدقيقة ، ولا يستطيع أحد أن يمنع من تداولها ، أو نشرها أو سماعها والتفاعل معها ، أو إيقافها من الإنتشار السريع ، بدرجة تفوق التصوّر والخيال ، من خلال ما أحدثه التقدم العلمي والثورة المعلوماتية والتكنولوجية من إنجازات ووسائل إتصال باهرة .
فلم تعد صاحبة الجلالة الصحافة ، أو السلطة الرابعة ، كما يطلقون عليها ، هي المصدر الوحيد لتلقي الأخبار والمعلومات الأخرى من خلالها ، ولكنها لا زالت تلعب دورا فاعلا في بث ونشر القضايا والشئون المختلفة ، وخاصة تلك التي تمس حياة وشئون المواطن اليومية في داخل آي بلد كان ، وفي ما يتعلق بمختلف المجالات الإجتماعية والسياسية والثقافية والإقتصادية ، وغيرها من أمور مختلفة تتناغم مع واقعه اليومي المعاش .
وهنا أردنا أن ننوه بأن من أهم الأمور التي تتطلبها الصحافة الحرة والنـزيهة هي توافر الشفافية المطلقة ، وحرية التعبير عن الرأي والصدق في توصيل الكلمة ، التي هي بدورها أمانة في عنق كل من يتعامل مع هذه الكلمة ، وكذلك يجب عدم التعتيم أو طمس الحقائق وكتمها ، وعدم التأويل والتهويل بهدف قلب الحقائق وتعويمها ، وهي من أهم الشروط الواجب توافرها ، لنشر صحافة تتمتع بمساحة كبيرة من الحرية ، بعيدا عن تسلط سيف الرقيب والحسيب ، لتكون هذه الصحافة هي التي تعكس الوجه الحضاري الناصع ، لأي بلد كان في هذا العالم المترامي الأطراف .
وإلا ستكون هذه الصحافة مجرد صحافة باهتة صفراء أو مأجورة وعميلة ، وتكون مسخرة لخدمة كل من يدفع أكثر ، ويصبح الصحافي مجرد ماسح جوخ ، أو ماسح وملمع أحذية – أعزكم الله - وسيكون الطريق إلى صاحبة الجلالة محفوفة بالمخاطر والأشواك ، وسيصبح الوصول إلى بلاط جلالتها ضرب من ضروب المخاطرة والمغامرة ، وسينتهي دورها كسلطة رابعة ، تقوم بدور فعال في تقويم الإعوجاج ، والقضاء على الفساد بكل أشكاله وألوانه وأطيافه ، وتمنع من تفشي الأوبئة والأمراض الإجتماعية الأخرى .
ولذا تسعى الدول المتقدمة إلى إعطاء الصحافة الإهتمام الأكبر وتسهيل مهماتها وتوفير كل ما تحتاجه الصحافة ، من وسائل ومعدات وتكنولوجيا متقدمة ، لتكون على أهبة الإستعداد في تنفيذ المهام والأعمال الموكلة لها ، في توصيل ونقل الخبر ، ورصد الأحداث والوقائع ، وكل ما يدور في هذا العالم أول بأول ، وكذلك يجب سن القوانين التي من شأنها إعطاء قدرا أكبر ، من الحرية والشفافية لها .
ورفع القيود والعقبات والعراقيل عنها ، والتي تحد وتمنع الصحافة لأن تكون منبرا حرا ، يعبر بحرية تامة عن تطلعات وآمال وطموحات الشعوب ، ولتكون الصحافة هي المعبرة عن شئون وشجون المواطن ، وعن مختلف الآراء ووجهات النظر وتبني الرأي والرأي الأخر ، إنطلاقا من حرية الرأي والتعبير ، التي تكفلها الدساتير والقوانين والأعراف الدولية ، لتتفاعل الأفكار وتتلاقح ، وتصب في النهاية في مصب المصالح العامة ، ومنفعة جماهير الشعب والأمة ، وسمعة ونهضة ورفعة البلاد .
وعلى أصحاب الشأن والقرار أن يتقبلوا ما تطرحه الصحافة ، من أفكار وأراء ووجهات نظر مختلفة ، وما تتفضل به من نقد هادف وبناء للفت الإنتباه - بروح رياضية - في سبيل حلحلة القضايا والمشكلات العالقة والطارئة ، التي تهم المواطن بالدرجة الأولي ، وهي بذلك تسعى لإشاعة مفهوم العدالة والمساواة في المجتمع ، لرفع الظلم والغبن عن كاهل المواطن ، وهي أمور تؤثر على المجتمع وتعرقل تقدمه وإزدهاره ، وتجعله عرضة للأخطار المحدقة به ، والتي تهدده في عقر داره ، وتكون حجر عثرة في طريق مسيرة التنمية والبناء وتقدم وإزدهار البلاد .