بقلم : محمد خليل الحوري
[color=cyan]الديمقراطية والعسكرتاريا نقيضان ، وهما تسيران على خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا في نقطة واحدة أبدا ، فالعسكر بطبيعتهم الجافة والمتسلطة ، وتفكيرهم وعقليتهم المتشددة ، التي تزن الأمور بميزان واحد ، وتفكير يتراوح بين الأبيض والأسود ، ولا يقبل باللون الرمادي أو أي لون أخر ، أو بمعنى آخر ، لا يوجد في المزاج العسكري ، مبدأ الخيار وتقبل الرأي الأخر ، فالنظرية السائدة لديهم هي : الذي ليس معنا فهو ضدنا ، ولا يمكن أن نقبل رأي الأخر ، ما دام لا يتوافق مع رأينا ، والوقائع والأحداث التي مرت بنا في العصر الحديث ، هي خير برهان ودليل وشاهد على ذلك .
ومفاهيم الديمقراطية تختلف عن المفهوم العسكري تماما ، فالتعددية وإختلاف الآراء هي من مقوماتها ومحور إهتمامها ، وتقبل الرأي الأخر ، والفكر الأخر ، والفكر المختلف ، والفكر المعارض من أولياتها ، وهي تحث عليها وتشجعها ، فهي تعتبرها ركنا أساسيا من أركانها ، فإذا تواجدت الديمقراطية ، فلا بد وأن تتواجد المعارضة ، وإلاّ لا فائدة ترتجى من وراءها ، ولا يمكن الحصول على بصيص أمل من تبنيها ، أو إتخاذها نهجا وطريقا قويما في تطبيقها ، فمن لا يقبل التمسك والإلتزام بشروطها ، فليتخلى عنها ويبتعد عن أسوارها وجدرانها ، وليهجر مضاربها بدون رجعة أو عودة إليها .
ومن أراد أن يتشرف بالإنتماء إليها ، والإرتماء في أحضانها والتفاخر بها والتشدق بإسمها ، عليه أن يلتزم بدستورها ومواثيقها وعهودها وشروطها ، وعليه أن يبعد حراب العسكر عن ديارها ، ويشترط عليهم أن لا يبارحوا ثكناتهم ، وأن لا يتدخلوا في شؤونها ، أو يتجاوزوا حدود صلاحياتهم ، وأن يلتزموا بتطبيق ما تمليه عليهم تلك الديمقراطية من حقوق وواجبات وشروط ، وما تفرضه عليهم من أحكام وقوانين ومبادئ وتعهدات وعهود .
ولنا في نظام برويز مشرف – ذلك الجنرال العسكري – الذي أطاح بنظام الحكم المدني ، وإغتصب السلطة المدنية ، في باكستان مثلا صارخا ، ووعد بأن يتنازل عن السلطة للمدنيين خلال عامين ، ولكنه تشبث بجلالبيبها ، ورفض أن يبارح كرسي الحكم ، لولا القلاقل والفوضى والإضطرابات ، وما آلت إليه البلاد من قتال وإقتتال وإغتيالات وصراعات ، وما إرتكب هو نفسه من مخالفات وتجاوزات وحماقات طوال سنوات عجاف ، عصفت بالبلاد بطولها وعرضها ، وكان إغتيال زعيمة حزب الشعب بنازير بوتو ، وما تبعته من تداعيات سياسية خطيرة ، عجلت بإزاحته رغم أنفه عن الزعامة ، التي أحبها وعشقها وأنس بها .
وأرغم هذا الجنرال العسكري الذي عشق ( الملك العضوض ) ، على التخلي عن سدة الحكم ، مقابل التنازل عن تقديمه للمحاكمة ، على ما إغترقت يداه من تجاوزات وفساد وإنتهاكات ، في بلد يعتبر من دول الديمقراطيات العريقة ، كما هو حال الهند وبنغلاديش من دول شبه القارة الهندية ، رغم التناقضات والإضطرابات والزوابع والعواصف السياسية التي تحدث فيها طوال العام .
وهناك أمثلة وشواهد كثيرة في العديد من الدول الأخرى ، إعتلى فيها الجنرالات كرسي العرش ، وفرضوا شروطهم وأحكامهم العسكرية ، رغم إن بعض هذه الدول تطبق النظام الديمقراطي فيها ، والبعض منهم فرض نفسه ليكون الحاكم أو الرئيس لمدى الحياة ، ليضمن لنفسه البقاء في مكانه قابعا ، وليحكم الناس بالحديد والنار ، شأنه في ذلك شأن أقرانه من العسكر ، الذين يعتبرون شعوبهم ومن يحكمونهم ، جنود صغار ورعايا ورقيق لديهم ، وعليهم أن يسمعوا ويطيعوا أوامرهم العسكرية صاغرين ، ودون إعتراض أو إحتجاج أو تأفف ، أو حتى السماح لهم بإبداء آرائهم ، والإستئناس بأقوالهم .
وإن إدعى العسكريون بأنهم يحترمون رغبة شعوبهم ، ويتظاهرون بأنهم سيتخذون النظام الديمقراطي سبيلا ومنهجا لحكم بلادهم ، فهو زيف وكذب وتضليل وخداع ، فالعسكري لا يؤمن بالديمقراطية ولا حتى يعترف بها ، وهو يتبنى فكرا وعقيدة مختلفة تماما ، لا يمكنه التخلي أو التنازل عنها قيد أنملة ، وهو يسعى لضرب كل من تسوّل له نفسه بمعارضته ، بإستخدام العنف والقوة المفرطة والقبضة الأمنية ، ظنا منه بأن تلك الأساليب القمعية ، قد تكون رادعة وفاعلة وناجحة ، وتجعله في أمن وسلام وإطمئنان ، من شرور معارضيه ومناوئيه ، وهذا هو من أكبر وأفدح الأخطاء التي يرتكبها مثل هؤلاء العسكر ، الذين يجلبون لأنفسهم غضب وسخط شعوبهم عليهم ، وتكون نهايتهم مؤسفة ومؤلمة ومروعة ، والتاريخ الحديث حافلا بمثل تلك القضايا والأحداث الدامية .
فالديمقراطية لا يمكن أن تستمر وتدوم ، تحت حراب وظلال العسكر وسطوتهم ، وعليهم أن يلتزموا بالقوانين والأنظمة ، وما تنص عليه دساتير بلدانهم ، التي عادة لا تجيز لهم الإنقضاض على سدة الحكم وإعتلاء العرش ، وتوصف بالخيانة العظمى ، وخاصة في الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، حيث كان الفشل الذريع والنهاية المأساوية مصيرها ، ولم يحدث أن تنازل العسكر عن العرش إلاّ ما نذر ، وتجربة المشير العسكري السوداني - عبد الرحمن سوار الذهب – الذي تنازل عن الحكم للمدنيين بعد عام ، لكون وجود ضغوطات عليه لم تكن تسمح له بمواصلة الإستمرار في الحكم ، ولكنها مع ذلك ، لم نراها تتكرر على مدى عقود حتى الآن .[/color]