[color=red][b]نـــــزار حيدر لصحيفة (الاستقامة) البغدادية:
صندوق الاقتراع، الفيصل في اختيار التيار الحاكم
توطئة
اجرت صحيفة (الاستقامة) البغدادية، بتاريخ (5 كانون الاول 2008) حوارا مع نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، تناول جوانب عديدة من قضايا العراق الجديد، على صعيد دور المرجعية الدينية والحركة الاسلامية في التغيير وعملية بناء العراق الجديد، وكذلك شروط المرشحين في الانتخابات القادمة، والاسلام والمشروع الحضاري، بالاضافة الى موضوعة حقوق المواطن في الاسلام.
ادناه نص الحوار:
السؤال الاول:
بأي اتجاه كان تدخل المرجعية الدينية في الشأن العراقي العام نافعا للعملية السياسية؟ وهل هو تدخل ام هو جزء من صميم عملها ودورها في توجيه الامة؟ وما هو ردكم على المعترضين ؟.
الجواب:
سيكتب التاريخ، ان المرجعية الدينية هي التي رسمت معالم العراق الديمقراطي الجديد، باصرارها على امرين هامين، ما كنا لنشهد ولادة الديمقراطية من دونهما:
الاول، هو اصرارها على اجراء الانتخابات، بالرغم من كل المعوقات وضغط المعترضين وتهديد الارهابيين ومن تحالف معهم من ايتام النظام البائد والطائفيين.
الثاني، هو اصرارها على ان يكتب العراقيون دستورهم الجديد بانفسهم من خلال جمعية وطنية منتخبة وغير معينة تعيينا من قبل اي طرف كان، عندما رفضت، وباصرار، ان يستورد دستورا للعراقيين من قبل الاخرين.
ولذلك فان منفعة دور المرجعية الدينية في العملية السياسية، كان اساسيا واستراتيجيا، شيد العراقيون عليه النظام السياسي الجديد، بالرغم من كل الملاحظات والمعوقات والمعاناة التي لا زالت تكتنف العملية السياسية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان هذا الدور هو مسؤولية دينية وواجب وطني تصدت له المرجعية الدينية من منطلق موقعها في حياة الامة، ونحن نعرف جيدا، فان المرجعية الدينية هي التي كانت قد رسمت معالم العراق حديث التاسيس في مطلع القرن الماضي، بالرغم من تآمر الاقلية مع الاحتلال البريطاني عليه، ان من خلال استفرادها بالتوقيع على الاتفاقيات الثنائية معها، او من خلال تدوين ما عرف فيما بعد بمبادئ (كوكس ـــ النقيب) كما ان دورها المعروف والمشهود في التصدي للاحتلال البريطاني، وفي الكشف عن المخاطر التي كانت تهدد العراق بسبب السياسات الملتوية والمشبوهة التي كانت تضعها بريطانيا العظمى آنئذ، بالاضافة الى دورها في التصدي للخطر الالحادي الذي هاجم العراق ابان الخمسينيات من القرن الماضي، ودورها في التصدي لسياسات النظام البائد والانظمة التي سبقته، والتي كانت ترمي الى ايقاع الاقتتال الاهلي بين ابناء الشعب الواحد، خاصة العرب والكرد، ان كل ذلك والكثير الاخر، ادلة تشير الى ان موقع المرجعية في الحياة العراقية العامة، في الصدارة، لما لها عند الشعب العراقي من احترام وثقة وتقدير، يركن اليها كلما المت به المخاطر.
ان هذه الثقة العالية، الى جانب ما تميزت به المرجعية الدينية من الوضوح في الرؤية والحرص الشديد على الثوابت الوطنية ووقوفها على مسافة واحدة من كل مكونات الشعب العراقي من دون تمييز على اساس الدين او المذهب او القومية او المناطقية او الولاءات العشائرية والحزبية وغير ذلك، ان كل هذا، هو الذي دفع بكل القادة والسياسيين، وبمختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية وتوجهاتهم الثقافية والسياسية، وكل المبعوثين الدوليين وغيرهم، الى ان يكونوا حريصين اشد الحرص على زيارتها والاستماع الى رايها عند كل منعطف، ليجدوا عندها خارطة طريق واضحة المعالم وغير مشوشة، ما يساعدهم على تجاوز المنعطف بسلام.
لقد اثبتت السنين التي اعقبت سقوط الصنم، ان المرجعية الدينية هي صمام الامان الاول الذي يمكن للعراقيين ان يركنوا اليه للحفاظ على حقوقهم ووحدتهم ووحدة بلادهم، كما انها الحصن الحصين والركن الشديد الذي يمكن الركون اليه لدفع كل المخاطر التي تهدد العراق وعلى راسها خطر الحرب الاهلية والطائفية التي ابعدت شبحها المرجعية الدينية بموقف حكيم وقرار شجاع، طبعا بهمة العراقيين الذين آمنوا بهذه الرؤية والتزموا بها وعملوا على تحقيقها.
وان تصدي المرجعية لهذا الدور، هو من منطلق تحمل المسؤولية التي تشخص في قول رسول الاسلام محمد بن عبد الله (ص) الذي يقول {اذا ظهرت البدع، فعلى العالم ان يظهر علمه} ومن الواضح فان السياسات المنحرفة والمخاطر السياسية التي تهدد كيان الامة، هي من البدع التي يجب ان يتصدى العالم لاظهار الحقيقة ازاءها، فليس البدعة على المستوى الثقافي فقط او على مستوى الفكر والفقه وما اشبه، بل ان البدع الاجتماعية وتلك التي تهدد كيان الامة والبلاد هي من أخطر انواع البدع، ولذلك راينا كيف ان المرجعية تصدت للمسؤولية الدينية والوطنية، كلما تعرض العراق الجديد لبدعة، كادت ان تستولي على الشارع العراقي، بالارهاب او بالدعاية السوداء، لولا موقف المرجعية التي كانت الحاضرة ابدا لتوضيح الرؤية وتحديد الموقف الصحيح، ان شرعيا او وطنيا.
اما من يعترض على مثل هذا الموقف، فانما يعترض على خيار الشعب العراقي الذي حدده لنفسه من دون اكراه او تخويف او ترهيب، كما يفعل القادة السياسيون او زعماء الاحزاب والكتل والتيارات.
لقد اختار الشعب العراقي ريادية المرجعية الدينية عن وعي وادراك ومسؤولية، وليذهب من يعترض على هذا الخيار ليبلط البحر كما يقولون، فليس فوق ارادة الشعب ارادة، وليس مقابل خياره خيارا آخر ابدا.
السؤال الثاني:
بأي شئ تفسرون استهداف الاتجاه الاسلامي في العراق، وخصوصا في هذه المرحلة، وكذلك استهداف ذهنية الاكثرية في العراق ومحاولات تسطيحها، اذ اعتبرها البعض انها غير مؤهلة للادلاء بصوتها، كونها تنتمي الى بيئات اجتماعية متخلفة او انها تسير وفق( التقليد الاعمى ) لمرجعيتها الدينية ؟.
الجواب:
لقد اصطبغ القرن الاخير من تاريخ العراق باللون الاحمر القاني، بسبب انهار الدماء التي اراقتها الديكتاتورية من نحور ابناء الحركة الاسلامية.
ويكفي الحركة الاسلامية فخرا انها الوحيدة من بين فصائل حركة المعارضة العراقية التي لم تصافح يدها يد النظام البائد الملطخة بالدماء، بالرغم من كل الوعود المعسولة التي كان يقدمها لها آنئذ، ولكن لانها كانت تنظر الى صراع العراقيين مع الديكتاتورية كونه صراع من اجل الوجود وليس صراعا سياسيا او من اجل مصالح شخصية وآنية، لذلك ظلت ترفض اللقاء به، فكانت معه كالخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان مهما امتدا، حتى من الله تعالى على الشعب العراقي بالخلاص والانعتاق من ربقة الديكتاتورية والنظام الشمولي البغيض.
ان من يستهدف اليوم الاتجاه الاسلامي في الساحة العراقية، انما يفعل ذلك لاحد امرين:
فاما انه جاهل بالواقع العراقي ويالتاريخ القريب للشعب العراقي، فهو يجهل دور الحركة الاسلامية، وما قدمته من اجل العراق الجديد، فان مثل هذا النوع من الناس عليه ان يتعلم ويطالع ويقرا ويسال ليعرف الحقيقة ويقف على الوقائع الدامغة التي لا يرقى اليها الشك ولا يناقش فيها اثنان عاقلان.
او انه يحاول القفز على هذا الواقع من خلال بخس الناس اشياءهم، فيتجاهل تضحيات ابناء هذا التيار، لاغراض شتى ليس اسوءها سعيه لعرقلة تقدم العملية السياسية الجديدة، التي يعد التيار الاسلامي ركنها الركين الذي لا يمكن القفز عليه باي شكل من الاشكال.
اما من يذهب الى اتهام الشارع العراقي بالسطحية والجهل وعدم الوعي، وانه يسير خلف مرجعياته الدينية بطريقة الطاعة العمياء، فذلك ما تكذبه الحقائق التي لمسها الجميع في السنوات الست الاخيرة، على الاقل.
وبالمناسبة، فان من يردد مثل هذا الكلام، انما يردده بسبب ان الشارع كشفه على حقيقته ففقد فيه الامل والثقة فضرب بوجهه عنه صفحا، واجزم لو ان الشارع العراقي كان قد منحه الثقة في اية انتخابات سابقة او قادمة، لاعتبر، هو نفسه، الشارع العراقي بانه من اوعى الشوارع العربية بل وفي العالم.
انهم، للاسف الشديد، يتخذون من فشلهم مقياسا يقيسون فيه وعي الناس وفهمهم وادراكهم، وهذا خطا كبير، ينبغي ان لا يقع فيه من يحترم نفسه ويعتقد بتجربته السياسية.
ان الديمقراطية التي يتمسك بها العراقيون اليوم، انما تعني الخضوع لنتائج صندوق الاقتراع مهما كانت، فاذا كان هذا الصندوق قد افرز التيار الاسلامي، فعلينا جميعا ان نسلم له ونحترمه ولا نحاول القفز على نتائجه، واذا كان في الخيار نسبة من الخطا فسيتحمل الشعب العراقي مسؤولية ذلك، وليس على اي كان تصحيحه بالاكراه والقوة.
نعم، فان من مسؤولية الاخرين تبيين الامور التي يعتقدون انها حقائق، وتوضيح القضايا التي يتصورون انها الصواب، ولكن ليس من حقهم فرض تصوراتهم على الشارع العراقي، كما انه ليس من حقهم ارهاب الناس واجبارهم وتخويفهم ليبدلوا خياراتهم، فالحكم هو صندوق الاقتراع وحسب، وصاحب الشان هو الشعب، اما الفرقاء، فما عليهم الا ان يعرضوا بضاعتهم، وللشعب ان يقبل بها فيمنحهم الثقة على اساسها، او يرفضها فلا ياخذ بها.
يجب ان نثق بشعبنا، ويجب ان نثق بقدرته على ممارسة واجباته والتمتع بحقوقه، ويجب ان نثق بقدرته على الفرز وحسن الاختيار، فلا نشكك بوعيه وعقله وتجربته وقدراته الذهنية، فالشعوب الاخرى التي مارست حقوقها وبنت انظمتها الديمقراطية، ليست بافهم ولا اوعى من شعبنا الذي خبرته التجربة وعلمته المحنة، وسندته المرجعيات والعلماء والفقهاء والمفكرين والمثقفين والاعلاميين، وروت مسيرته انهار الدماء الطاهرة التي اريقت من نحور ابنائه البررة.
ان التشكيك في شعبنا هو تشكيك في انفسنا، وان الاستخفاف بوعيه هو استخفاف بوعينا، اذ، اولسنا جزء من هذا الشعب؟ اوليس وعينا وفهمنا وادراكنا هو جزء لا يتجزا من وعي الشعب وفهمه وادراكه؟ اما من يظن انه ليس من هذا الشعب، فلينتم الى من يحب من شعوب الارض غير ماسوف عليه من قبل العراقيين.
السؤال الثالث:
ما رايكم بمن يحاول القفز على دور الحركة الاسلامية في اسقاط الدكتاتورية؟ بل ان البعض يطالب بان يكون دور الاسلامين لايتعدى حدود المسجد؟ ومنهم من يذهب الى ابعد من ذلك ويريد تصوير الدين الاسلامي على انه دين طقوس عبادية، وليس كما نؤمن بان للاسلام مشروعا متكاملا للحياة بكل ميادينها؟.
الجواب:
مثل هؤلاء يريدون الحركة الاسلامية للذبح فقط وللتضحية فحسب، ولكن هيهات.
انهم يسكتون ويدسون رؤوسهم في التراب حتى لا يقولوا شيئا عندما كان النظام البائد يقتل ابناء الحركة الاسلامية ويزج قادتها في السجون والمعتقلات ويطارد الاحرار من ابنائها، ولكنهم يشرئبون باعناقهم عندما تمارس الحركة الاسلامية دورها الطبيعي في العملية السياسية وفي السلطة، اليس في ذلك تناقضا صارخا؟.
ان اي منصف يقرا تاريخ الحركات الاسلامية، سيلحظ بشكل لا يقبل الجدال والنقاش انه تاريخ حافل بالعطاء الفكري والثقافي والسياسي، مضمخ بدماء الشهداء الابرار.
خذ مثلا تاريخ الحركة الاسلامية المعاصرة في العراق، حتى لا نذهب بعيدا ونستغرق في عمق التاريخ، هذا التاريخ الذي يحوي في صفحاته كل شئ جميل ومشرق، بالرغم من انه عمد بالدم كما قلنا، الا ان هذا التعميد هو الذي زاد هذا التاريخ نصوعا وتالقا وفخرا.
سنجد ان هذا التاريخ لم يكتب في المسجد فحسب، وكفى به فخرا اذا كان كذلك، كما انه لم يكتب في اروقة الحوزة العلمية الدينية، او من على صفحات الكتب والجرائد لنقول بان الاسلاميين اكتفوا بالتنظير والكلام المعسول واحيانا الفارغ، ابدا، وانما كتب هذا التاريخ في كل شبر من ارض العراق الطاهرة، في المدرسة وفي الجامعة وفي السوق وفي الحوزة وفي المسجد وفي السجون وفي المنافي وفي الشارع وفي المصنع ومن على اعواد المشانق، وفي كل مكان، وان دل ذلك على شئ، فانما يدل على:
اولا: شمولية الحضور الاسلامي في ساحة المواجهة، جغرافيا.
ثانيا: فاعلية هذا الحضور الذي كان يدفع بالنظام الديكتاتوري الى الانتقام منه في كل آن ومكان.
ثالثا: شموليته على صعيد التصدي ووسائله ، سواء بالنتاج الثقافي او الفكري او العلمي او الميداني او بالدم الذي ارخصه الاسلاميون من اجل العراق وشعبه الابي.
اذا كان مثل هؤلاء يعون ما يقولونه عن الحركة الاسلامية وعن الاسلام، فليدعوا الدين لاهله، وليدعوا رجالاته ومؤسساته لاهله، فلماذا يتدخلون في شؤون الدين؟ لماذا يحللون ويحرمون ويفسرون القران ويستشهدون بالحديث والرواية كلما عازتهم الحجة وخانهم الدليل؟ لماذا يهرولون، بل يركضون، الى النجف الاشرف كلما اصطدمت رؤوسهم بالصخور؟ من اجبرهم على استدرار الشرعية من المرجعية الدينية؟ ولماذا يتخندقون في المسجد والحسينية وفي الشعائر الدينية وعلى راسها الحسينية، كلما حاولوا كسب ود الناس واصواتهم؟.
اذا كان الاسلام للمسجد، فعليهم ان لا يزجوه في برامجهم ابدا، لنتعرف على حقيقة حجمهم في الشارع، وليطلع الراي العام على حقيقة حضورهم بين الناس.
لقد كان دور الحركة الاسلامية رياديا في النضال ضد النظام الشمولي البائد، فلقد كان لها دور مشهود على الصعيد الفكري والتنظيمي والسياسي والجهادي والاعلامي والحقوقي والديبلوماسي، فرضت من خلاله نفسها ودورها على الراي العام والمجتمع الدولي.
كما ان دورها كان مشهودا في داخل العراق، بالرغم من قساوة النظام واجهزته القمعية، وخارجه، وفي المحافل الدولية، فلقد نجحت الحركة الاسلامية بنشاطها الواسع والمركز في ان تسحب الشرعية من النظام البائد في المحافل الدولية، كما نجحت في الكشف عن الجرائم البشعة التي كان يرتكبها النظام ضد العراقيين، من خلال تحركها على المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان.
وللصدقية العالية التي تمتعت بها الوسائل والمواد التي وظفتها في نشاطها، لذلك كسبت ثقة المنظمات الدولية التي تعاملت مع الوثائق والادلة والبراهين التي كانت تقدمها لاثبات ما كانت تدعيه ضد النظام، بايجابية وبكامل الجدية.
السؤال الرابع:
وجهت المرجعية الدينية باتجاه ان يكون الاختيار في الانتخابات المقبلة وفق الكفاءة والنزاهة.
يتبع