جيش يُهزم ..!!
بقلم: محمد خليل الحوري
هاهي الحقيقة الناصعة التي هي كبياض الثلج، تظهر وتتضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، وهاهي الجماهير الحاشدة في لبنان وفي فلسطين وفي كل بقاع العالم، تشاهد الحقيقة وتحس بالواقع على أرض الواقع، وهاهو الحلم الكبير والأمنيات الحالمة تتحول إلى واقع ملموس ويتحقق الهدف المنشود والغاية المرجوة والأمنية المطلوبة.
اليوم التاسع والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) من العام 2004م يعتبر يوماً تاريخياً بكل المقاييس وبكل المفاهيم. في هذا اليوم المجيد انتصرت الإرادة والتصميم والعزيمة لنيل النصر وتحقيق الآمال والأمنيات. في ذلك اليوم الخالد سجل التاريخ بحروف من نور ذلك الانتصار العظيم الذي تحقق على يد ذلك القائد الملهم والمناضل الفذ، الذي لا يألو جهداً في التضحية والفداء من أجل انتزاع الحق من مغتصبيه, وتحقيق النصر على المعتدين، ونصرة ومساندة المظلومين، دون تمييز بين فئة وأخرى، أو بين قومية وأخرى. هاهي جحافل الأسرى تعود إلى ديارها، والأسود إلى عرينها، لتعم الأفراح في كل الديار، وترفرف رايات النصر والفخار، والعزة والكرامة والسؤدد.
في هذا اليوم المشهود الذي يعيد للذاكرة النصر الكبير الذي تحقق في يوم الخامس والعشرين من مايو (أيار) من العام 2000م، حيث تحطمت وتهشمت أسطورة الجيش الذي لا يهزم, وخرج ذلك الجيش من الأراضي التي ظل يعربد ويمارس عدوانه وهمجيته فيها، بمساندة ودعم الخونة والعملاء اللحديون في جنوب لبنان الصامد والمقاوم، وهو يجر خلفه أذيال الهزيمة والمذلة والخيبة والانكسار والاندحار، فعمت الفرحة في كل مكان, وأصبح هذا النصر العظيم على العدو المتغطرس مضرباً للأمثال في كل زمان ومكان، وسيظل في ذاكرة التاريخ على مدى الزمان، تتوارثه الأجيال وتنهل من معينه الذي لا ينضب.
لقد تحقق هذا النصر الكبير على يد فتية شجعان آمنوا بربهم الكريم ونصروا الله فنصرهم وثبت أقدامهم على الحق، ووضعوا أرواحهم على الأكف في سبيل الله، وضحوا بالغالي والنفيس لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهم لا يريدون إحساناً ولا شكورا، إلا مرضاة الله -سبحانه وتعالى- طمعاً في جنته وغفرانه، ورضاه ورضوانه.
فمنهم من نال شرف الشهادة، وكتب عند الله من الشهداء لينعم بالجنة والخلود في دار الآخرة، ومنهم من لا يزال مرابطاً ليواصل المسيرة ويحمي الثغور والحدود، وليحرر ما بقي من تراب الوطن الذي لا يزال تدنسه شرذمة من شذاذ الآفاق، الطغمة الغاصبة والمحتلة لفلسطين، وأجزاء من سوريا ولبنان، والتي تعيث في الأرض فساداً ودماراً تحت مسمع ومرأى العالم الذي يلتزم الصمت المطبق، وينصر الظالم على المظلوم، وفي زمن السقوط والاحتضار العربي.
إننا لا نبالغ في قيمة وأهمية هذه الانتصارات والإنجازات الكبيرة والمشرفة لكل الشرفاء في العالم أجمع, ولا نضخم الأحداث ونسبغ الحمد والثناء والمديح على هؤلاء المناضلين الشرفاء من رجالات حزب الله، وعلى رأسهم المناضل البطل السيد حسن نصر الله، أمده الله بنصره وأطال الله في عمره المديد، فهم ليسو بحاجة لمديح أحد, ولا يسعون للحصول على المديح والإطراء لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية، وهم لا يطمعون بمراكز ومناصب في هذه الحياة الفانية، فهدفهم مرضاة الله، وحسبهم أن العدو شهد بنزاهتهم قبل الصديق.
ومن جهة أخرى فهؤلاء الزاهدون الورعون لا يهمهم كذلك الذين عادة ما يلجؤون ويزايدون ويطبلون ويزمرون، للتقليل من أهمية وشأن ما تحقق من انتصارات في العام 2000م، ومن العملية البطولية لتبادل الأسرى والمعتقلين وتحريرهم من غياهب سجون العدو الغاصب، التي يعتبر الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود، نتيجة للمارسات الغير أخلاقية والغير إنسانية، وما يكابدوه من أصناف التعذيب الوحشي والهمجي الذي يمارس بحق السجناء والمعتقلين، وكل ما يقوم به هؤلاء المطبلون والمزمرون لن يجديهم نفعاً, ولن يؤثر في ما يسعون إليه من إخفاء الواقع وطمس الحقائق، وسوف لن يثبط من عزيمة هؤلاء المناضلون (الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر)، وسيواصلون ما خططوا وعملوا من أجله، في طريق ذات الشوكة ومرضاة الله، لنيل شرف الشهادة، ولتحيا هذه الأمة بعزة وكرامة، ترفرف عليها رايات المجد والنصر والفخار خفاقة عالية في عزة وكرامة وإباء.
وختاماً، نستشهد بقول الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي، من مقالة له تحت عنوان: شكراً حزب الله:
"وحين تسرب الوهن إلى خلايا الجسم والعقل العربيين، وصدق البعض أنه ليس باليد حيلة، وأن 99 % من الأوراق في يد الولايات المتحدة، وأن الانبطاح هو الحل، انشقت الأرض في يوم ندي طالعنا فيه شباب "حزب الله"، الذين قدموا نموذجاً قلب الطاولة فوق رؤوس المهزومين والمنبطحين، وأعاد الروح إلى الأمة، ورد إليها اعتبارها".
ويضيف قائلاً في نهاية مقالته:
"وبينما ظنّ الصهاينة أن شعوبنا استكانت وشهرت إفلاسها، واستسلمت للمقولة السائدة عن إن إسرائيل الجبارة لا تقهر ولا تهزم، وأن السلاح الأميركي ينزل فوق الرؤوس كما القدر الذي لا يُرد، جاء شباب حزب الله كي يثبتوا للكافة أنه لا شيء يعادل إرادة الإنسان إذا قدم الموت ثمناً للحياة الكريمة، وأن الراغبين في الشهادة لا يهزمون، وإنما هم منتصرون دائماً، فإذا لم يفوزوا بمرادهم في الدنيا، فازوا برضوان الله وجناته في الآخرة".