في وضح النهار .. !
بقلم: محمد خليل الحوري ـ البحرين
إن أسوأ ما تمر به أمتنا العربية والإسلامية اليوم هو تفككها، وابتعادها عن جادة الصواب، فهي أمة متفرقة ومشتتة إلى فرق وأحزاب، تتقاتل فيما بينها، وتحارب كل فئة الفئة الأخرى، وتتصارع على أمور تافهة، والحرب سجال بينها، متناسين ومبتعدين عن تعاليم الدين الحنيف، والمفاهيم والقيم والمبادئ التي يدعونا إليها الدين الإسلامي، الذي وحد كلمتنا على الحق والعدل، ورص صفوفنا على الإيمان والتقوى، وأرشدنا لرفض الظلم والعدوان، ومجابهة الطغاة والظالمين، ومناصرة الحق والعدل، والوقوف بجانب المظلوم ونصرته.
واليوم تتعرض هذه الأمة لنكسة ما بعدها نكسة، وخيبة أمل كبرى تجعلنا نتوه في غياهب مؤامرات وفتن تحاك لنا في الظلام، وتبعدنا عن التفكير أو العمل على إعادة الوحدة ورص الصفوف والقيام بواجبنا القومي والوطني والإسلامي تجاه أمتنا التي أنهكها التشرذم والتفرق والتناحر فيما بينها، فأخذنا نتخبط ونبتعد عن اتخاذ القرارات الصائبة والحاسمة، وحتى لو اتخذت هذه القرارات والتوصيات لا ينفذ منها إلا القليل، أو تظل مركونة على مكاتب المسؤولين يتراكم عليها الغبار.
إننا اليوم مدعوون أكثر من أي وقت مضى، أن نوحد صفوفنا، وأن نوحد كلمتنا، ونترك الخلافات والمنازعات، والمهاترات والجدل البيزنطي غير المجدي، وأن ننسى الماضي بكل مآسيه، وأن ندوس على الجراح، وأن نشحذ الهمم ونسمو فوق كل المصالح الشخصية، وأن نضع مصالح أمتنا فوق كل المصالح، ونبتعد عن التحالف أو الانقياد وراء الذين يخططون لاستعمارنا وضرب وحدتنا، والسيطرة على مجريات أمورنا، وتهديد كياناتنا ووجودنا، والتسلط والتآمر علينا وحكمنا بالحديد والنار.
لقد وضح واتضح بما لا يقبل الريبة والشك بأن كل قوى الشر والطغيان والظلام في هذا العالم، وعلى رأسها القوى الإمبريالية الاستعمارية، والصهيونية العالمية، تستهدفنا جميعاً -نحن معشر العرب والمسلمون– دون استثناء ودون تمييز بين من يواجههم بشموخ وإباء، وبين من يداهنهم بخنوع وذل مهين، فالعدو وقحٌ وشريرٌ وطاغٍ ومتسلطٌ ومتعجرفٌ وعنيد، يحيك الدسائس والمؤامرات، ويتخذ الذرائع والحجج الواهية مطية لممارسة عدوانه وهمجيته في أي وقت يشاء.
يقال بأن العرب أمة لا تقرأ التاريخ، كما يصرح بذلك كثيراً الصهاينة الأعداء، فيجب علينا أن نتخذ الدروس والعبر من تاريخنا الحافل والمليء بالملاحم والمواجهات والانتصارات الباهرة والمشرفة على مدى التاريخ والزمان، وكذلك ما مرت به أمتننا من هزائم ونكسات مروعة ما كان لها أن تكون لولا تخاذلنا وتهاوننا في اتخاذ القرار الجماعي الحاسم، ومواجهة العقبات والصعاب، وركوب الأهوال والمخاطر بكل شجاعة واقتدار.
إننا أمة تمتلك التاريخ، وتمتلك الحضارات العريقة، والتي ظلت ترفرف راياتها على مدى قرون، فعلينا أن نعيد مجد أمتنا، ونحيي تاريخ هذه الأمة العريق، لنحيا بكرامة وعزة وإباء وشموخ، نتحدى ونصمد أمام كل التحديات والتهديدات، ونتصدى لكل المواجهات والاعتداءات، بكل قوة وعزيمة وإصرار، متسلحين بقوة إيماننا وصلابة وحدتنا واتحادنا، فنحن قوة ضاربة لا يستهان بها، يمكننا أن نفرض وجودنا وهيمنتنا على أرض الواقع, وذلك عندما نصفي النفوس ونبذل جهدنا في العمل على إرساء قواعد التوحد والوحدة، ورص الصفوف وتوحيد الكلمة، ولمّ الشمل وجمع الشتات، والعمل بجد وإخلاص لتظافر الجهود، والتخلص من حب الذات والزعامة الخرقاء، ونبذ التعصب والعصبية العمياء، والعمل على اتحاد الأمة على هدف واحد هو رفعة شأنها وإعلاء كلمتها، لتعيش في أمن وأمان، وراحة واستقرار، وفي عزة وكرامة، مستثمرة خيراتها فيما بينها والجميع يرفل بأثواب السعادة والهناء.
فعلى هذه الأمة أن تصحو من سباتها العميق، وأن تسعى جاهدة أن تنهض بإصرار، رغم أنف الأعداء وما يحيكونه لها من مؤامرات وحبائل، وما يخططون له من خدع ماكرة للاستيلاء على خيرات هذه الأمة، وسلب عزتها وكرامتها.
علينا أن لا نخاف لومة لائم، وأن لا ترهبنا تهديدات العدو ومكره ومرواغاته، وإخافته لنا بقوته وإرهابه، لكوننا أصبحنا في وضع لا نحسد عليه من تمزق وفرقة، وتشتتنا وانقسامنا إلى فرق وأحزاب تمكنه من الهيمنة والسيطرة علينا. فوحدتنا تخيفه، وجمعنا يبعده، وتوحيد كلمتنا تهزمه. فإلى متى سنظل أمة متفرقة ممزقة، تتصارع فيما بينها، والعدو يتهددنا، ويغزونا في عقر دارنا، وينهب ويسلب ثرواتنا أمام أعيننا، ويستولي على مقدراتنا في وضح النهار؟.
أما كفانا كل ما حل بنا؟ لماذا نحن هكذا نتهاون ونتخاذل؟ لماذا هذا الصمت المقيت يلفنا ويكمم أفواهنا؟ أين النخوة العربية؟ أين الشهامة الإسلامية؟ أين البطولات والملاحم والانتصارات الخالدة التي سطرها الأوائل من أجدادنا العرب والمسلمين حتى وصلوا إلى أقاصي الصين فاتحين ورافعين رايات المجد والعزة والكرامة والإسلام والمحبة والسلام؟.
إننا ندعو كل الشرفاء والمفكرين والعلماء، وصناع القرار في هذه الأمة أن يتحركوا سريعاً لانتشال الأمة وحمايتها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل على إرساء قواعد الوحدة العربية والإسلامية، لتفادي وقوع هذه الأمة في براثن المؤامرات والمخططات التي يحيكها الأعداء الذين تكالبوا عليها من الشرق والغرب، بغية تمزيق أوصالها وسلب خيراتها، والنيل من عزتها وكرامتها.
فالحذر الحذر، إننا جميعاً مسؤولون أمام الله والتاريخ عن تخاذلنا وتهاوننا، وعما سيؤول له مصير هذه الأمة، إذا لم نقم بواجبنا الشرعي والوطني والقومي تجاه هذه الأمة لإنقاذها من شرور الأعداء ومخططاتهم الجهنمية، وتفويت الفرص عليهم، لتبقى هذه الأمة منصورة بالله، ترفرف عليها رايات العزة والمجد والكرامة.