دور أهل بيت النبوة الإعلامي / في فضح النظام الأموي الدموي !
بقلم : محمد خليل الحوري
دور الإعلام الفاعل والمؤثر في المجتمع :
يلعب الإعلام دورا كبيرا في توعية الناس وتوسيع مداركهم وتزويدهم بشتى المعلومات المفيدة والأخبار الجديدة ، وشد إنتباه الجماهير إلى الكثير من القضايا والأمور المصيرية ، والتي قد تكون غائبة عن وعيّهم ومداركهم، وكذلك للترويج وإشاعة بعض الأمور التي يكون لها تأثيراً مباشراً ، أو غير مباشر في تحشيد تلك الجماهير ، لكسب تأييدها وولائها ، أو إقناعها بتبني فكرة ما ، أو إسداء النصح والإرشاد لها ، أو التحذير من أمر ما ، أو خطر داهم يحيق بها ، وأخذ الحيطة والحذر من أمور أخرى كثيرة ، كذلك له دور بارز في إلهاب حماس الجماهير وتحشيدها في قضايا تهم الوطن ، وتحذر من مخططات وأهداف العدو المتوقعة ، وغيرها من فوائد – لا تعد ولا تحصى ، ولا يمكن حصرها أو اختصارها في مقالة أو كتاب.
جريمة النظام الأموي القمعي الدموي النكراء :
ورغم الكبت والضغوط المختلفة ، وتكميم الأفواه وإشاعة الرعب والخوف والفزع بين صفوف الناس، وإستخدام العنف والقمع والإرهاب مع كل من يتفوه بكلمة ، أو ينبس ببنت شفة ، وفي ظل تلك الأجواء الملبدة بكل وسائل الإبادة والقتل والدمار في زمن الدولة الأموية ، وبعد إرتكاب الجريمة النكراء ، والتي تعد من أكبر وأخطر الجرائم ، التي وقعت على مدى التاريخ ، وهي مأساة كبرى وجريمة شنعاء لا يمكن لها أن تغتفر ، وإساءة عظمى لا يمكن أن تنسى ، بحق – الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل بيته الأطهار – عليهم أفضل الصلاة والسلام ، والمتمثلة بقتل سبطه وحفيده وسيد شباب أهل الجنة ، الإمام الحسين - عليه السلام ، في أبشع الإنتهاكات الصارخة لكل المبادئ والشرائع السماوية .
وفي أخطر الإنتهاكات المخالفة لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية السامية ، وهي بمثابة تعديات صارخة على قدسية الإنسان وعزته وكرامته وحريته وحقوقه ، فكانت أبشع جريمة في تاريخ البشرية جمعاء ، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أعز وأكرم ونصر الإمام الحسين – عليه السلام - وآله وأنصاره في الدنيا وفي الآخرة .
إنتصار الدم على السيف وإعلاء راية الحق :
ولقد إنتصر الدم على السيف ، وإرتفعت راية الحق والعدالة وأزهق الباطل ، وإنهزمت شرذمة الضلالة والكفر ، وفشلت قوة القمع والإرهاب وحد السيف ، التي عادة ما يراهن عليها الطواغيت في كل زمان ومكان ، فقامت دولة الإمام الحسين – عليه السلام – وإنتشرت في ربوع العالم ، وأصبح ضريحه مزارا يشد له الرحال من كافة أنحاء العالم ، ومسجدا مباركا ترفع فيه شعائر الله ، ويعظم فيه إسم الله ، ويؤمه الزوار والمصلين على مدار العام ، ليتبركوا به ، ويقتدوا بفكر الإمام الحسين – عليه السلام - ويتبعوا سيرته ، وسيرة أهل البيت – عليهم السلام ، ويقتفوا آثاره النيرة ، ويستنيروا بقبسات من نوره الوضاء ، ويستمدوا قوتهم ويجددوا آمالهم من سناء ثورته الخالدة المجيدة ، في حين نرى أن دولة الظلم والطغيان الأموية ، قد زالت وإندثرت ولم يعد لها مكان ، ولا لطواغيتها أي وجود ، فكان مصيرهم إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.
ركب سبايا بنات الرسالة في طريقه إلى بلاد الشام :
وفي طريق الذهاب إلى الشام من كربلاء ، مر ركب السبايا وأسرى البيت النبوي من الأرامل واليتامي والثكالى بالكوفة – وما أدراك ما الكوفة - والتي كان لأهلها أكبر الأثر في خذلان الإمام الحسين – عليه السلام – بعد أن دعوه لمبايعته وأرسلوا له الكتب يدعونه للقدوم إليهم ، ولقد تخلوا عن رسوله إليهم ، وهو مسلم إبن عقيل – رضوان الله عليه ، والذي قتل من قبل السلطات الأموية أبشع قتله ، حيث رموه من على سطح قصر الإمارة ، الذي لم تدم له عمارة .
وكذلك إنقلب أهل الكوفة على الإمام الحسين عليه السلام - وتخلوا عنه في ساعة المحنة ، وإنضموا إلى الجيش الأموي لقتاله والتنكيل به وبأهل بيت النبوة – عليهم السلام .
وعلى الرغم من كل النصح والإرشاد الذي قدمه لهم ، حيث بيّن لهم وشرح لهم الكثير من الأمور المهمة ، التي قد تكون غائبة عن مداركهم وفهمهم ، وهم في غفلة من أمرهم ، بفعل ما قدمت لهم السلطة الأموية من إغراءات ووعود ، من حطام هذه الدنيا الفانية ، فأبرأ ذمته منهم ، وأقام عليهم حجته وبرهانه ، فحذرهم من مغبة ما هم عازمون ومصرون عليه ، وأوضح لهم الأخطاء والمخاطر من مواصلتهم الإصرار على قتاله .
وهو إبن بنت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرفهم بحسبه ونسبه ، وحاول إقناعهم بكل الوسائل والطرق لإقامة الحجة عليهم ، ولكنهم تمادوا في غيّهم وضلالهم ، حبا للمال وطمعا في الدنيا وزخرفها ، ليرضى
عنهم طواغيت بني أمية ، ويحصلوا على ما يطمعون فيه، لدرجة إنه – عليه السلام - بكى لحالهم ، لما سيؤول له مصيرهم ، لأنهم سيدخلون النار بسبب جهلهم وعنادهم وجحودهم ونكرناهم .
وجاء المختار الثقفي – رضوان الله عليه - وإنتقم من قادتهم وزعمائهم شر إنتقام ، وأخذ بثارات الإمام الحسين – عليه السلام ، وقضى على قاتليه وجرعهم كؤوس المنية ، فلم يجنوا غير الذل والهوان والموت الزؤام في الدنيا ، وفي الآخرة سيكون مصيرهم جهنم وبئس القرار ، لينالوا عذاب الله – جلت قدرته - وسيحشرهم مع القردة والخنازير ، في الدرك الأسفل من النار ، فلعنهم الله وشدد عليهم النار والعذاب .
دور بطلة كربلاء ورفاق دربها في فضح ممارسات النظام :
وبمرور ركب السبايا والرؤوس المحمولة على الرماح بالكوفة ، إنتاب أهل الكوفة شعور بالإثم وتأنيب الضمير، وقد إحتشدوا بالركب – رجالا ونساء – وهم يبكون وينتحبون على تقصيرهم في نصرة الإمام الحسين – عليه السلام - وخذلانه والتخلي عنه ومحاربته والتنكر له ، والتمادي في إرتكاب الفاحشة وعصيان الله ورسوله .
فأشارت إليهم بطلة كربلاء – السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب – عليهم السلام أن اسكتوا ، لتخطب فيهم وتلهب شعورهم بالإثم ، وتفضح النظام الأموي الدموي الجائر، وما إرتكبه من جرائم وحشية وقمعية ، فتقول في خطابها لهم ، على الرغم من معاناتها وتحملها الشدائد والصعاب العظيمة والفادحة - ( كما جاء في كتاب العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين – ثورة الحسين ، ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية – ص ( 180- 182) ) :-
( أما بعد يا أهل الكوفة ، أتبكون ؟ فلا سكنت العبرة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا ، تتخذون إيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون .
( أي والله ، فإبكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترخصوها بغسل أبداً ، وكيف ترخصون قتل سبط خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومدار حجتكم ، وهو سيد شباب أهل الجنة.. ؟ ( لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء ، أتعجبون لو أمطرت دما..؟ ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون . ( أتدرون أي كبد فريتم ؟ وأي دم سفكتم ؟ وأي كريمة أبرزتم ؟ لقد جئتم شيئاً إدَّا ، تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدَّا .. ) .
قال من سمعها :- ( فلم أر والله خفرة أنطق منها ، كإنما تنزع عن لسان أمير المؤمنين ، الإمام علي بن أبي طالب ، فلا والله ما أتمت حديثها حتى ضح الناس بالبكاء ، وذهلوا ، وسقط ما في أيديهم من هول تلك المحنة الدهماء ) .
وتكلمت فاطمة بنت الإمام الحسين – عليهم السلام – فقالت في كلام لها ( أما بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل بيت إبتلانا الله بكم ، وإبتلاكم بنا ، فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهباً .. ( ويلكم ، أتدرون أي يد طاعنتنا منكم ، وأية نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ، قست قلوبكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون .
( تبا لكم يا أهل الكوفة ، أي تراث لرسول الله قبلكم ؟ وذحول له لديكم ؟ بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب ، وعترته الطيبين الأخيار) .
وتكلم علي بن الحسين ( زين العابدين ) ، الذي كان قد بقي من بين الرجال ، لكونه كان يعاني من شدة المرض ، وهو - المعروف بمريض كربلاء - ومع ذلك لم يتركوه في سبيل حاله ، فقيدوه بالسلاسل والقيود والأثقال ، التي أنهكت جسده النحيل وزادته آلما ومعاناة ، ولقد حاولوا قتله – عدة مرات ، لولا تدخل بطلة كربلاء – عقيلة الهاشميين ، السيدة زينب – عليها السلام - التي كانت تحامي وتدافع عنه ، وتمنعتهم بشجاعة وبسالة من النيل منه .
فخطب في أهل الكوفة وقال : -
( أيها الناس ، ناشدتكم الله ، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة ، وقاتلتموه ؟ فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم ، وسوأة لرأيكم ، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم :- قتلتم عترتي ، وإنتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي ) .
ولما نودي بقتل الحسين في المدينة ، وعلم الناس بذلك ضجت المدينة بأهلها، ولم تسمع واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الإمام الحسين – عليه السلام ، وخرجت إبنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها ، وهي تلوي بثوبها وتقول :-
ماذا تقولون إن قال النبي لكـم
ماذا فـعلتم وأنـتـم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعـد مفتـقـدي
منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
الدور الفاعل لأهل بيت النبوة في واقعة الطف :
وكان لإعلام أهل بيت النبوة – عليهم الصلاة والسلام – دوراً بارزاً في فضح النظام الأموي ، وممارساته المنافية للدين والعقيدة ، وكشف الحقائق التي كان يتستر بها النظام الأموي الدموي ، ويضلل ويخدع الناس ، و ما عاناه الناس من فداحة وهول الظلم والجور والقمع والإرهاب ، أرغمهم ودفعهم على التمرد والقيام بثورات متكررة على الأمويين ، للتكفير عن خذلانهم و تقصيرهم في نصرة الإمام الحسين - عليه السلام – وإن لم يكن هدف تلك الثورات هو الانتصار على النظام الأموي ، وإنما الهدف هو الثورة على الظالمين ، والتضحية بالنفس وبذل الدماء ، لعلهم يستطيعوا أن يكفروا عن سيئاتهم ، وإنجرافهم مع تيار الظلمة والطغاة ، ولكي يزيحوا الأغلال والقيود عنهم ، ويضعوا حدا لما نالهم من ظلم وجور ومعاناة تحملوها طويلا ، تحت تهديد الرماح وطعن السيوف ، والقمع والإرهاب والجبروت والطغيان ، وتجرعوا كؤووس المذلة والهوان والخذلان ردحا طويلا من الزمن .
[b]