من مساوئ وتداعيات التطبيع مع الكيان الصهيوني !
بقلم : محمد خليل الحوري
منذ تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين مصر والكيان الصهيوني ، والتي جاءت نتيجة مفاوضات وإتفاقات تحت رعاية دولية معروفة ، فلقد أصبح عدد الذين يترددون على مصر من السيّاح الصهاينة ، يزداد ويتصاعد على مدار العام وخير مثال على ذلك : بأن عددهم قد جاوز الثلاثين ألفا ، في طابا في العام 2004 ، أيام التفجيرات التي شهدتها طابا يومذاك ، وهذا بحد ذاته يدل دلالة مؤكدة ، بأن الصهاينة يلقون ترحيبا رسميا وشعبيا في تلك المناطق السياحية .
وهم يتزايدون في كل عام - ليس هذا حبا في سواد عيون مصر - ولكن لأهداف سياسية وإستراتيجية مخطط لها ، ومنها نشر الفساد والإنحلال الخلقي والأخلاقي ، وإشاعة الرذيلة بين صفوف الشباب المصري ، وتـشجيعهم على تعاطي المخدرات والمسكرات ، ونشر الأمراض الجنسية كالإيدز وغيره من الأمراض بينهم ، ولمحاربة القيّم والمبادئ الإسلامية ، وحرف الشباب في مصر - وغيرها من الدول عن عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية ، ليسهل على ذلك الكيان تخذير الشعوب وإختراقها إجتماعيا وأمنيا وعسكريا .
وهناك أعداد كبيرة من الشباب المصري قد تورطوا في الزواج من فتيات إسرئيليات ، وجلبوهن معهم إلى مصر ، وهذا بحد ذاته إستيطان وتوطين غير مباشرين ، فضلا عن ما يعكسه وجودهن على الأراضي المصرية ، وما يمثله من أخطار إجتماعية وسياسية وأخلاقية ، وكذلك العكس بالنسبة للفتيات المصريات اللواتي يتزوجن من إسرائليين ، وينتقلن للعيش في داخل الكيان الصهيوني ، وما يتعرضن له من طمس للهوية ، وربما إعتناق الديانة اليهودية .
ويشجع النظام الصهيوني الرسمي على ذلك ، للحصول على مكاسب وإنجازات إستراتيجية لصالحه ، تتمثل في الغزو الفكري والعقائدي والإعلامي ، للقضاء على الروح القومية والوطنية عند الشباب المصري ، ولحرفهم عن التعامل مع مفهوم الصراع العربي – الصهيوني ، وتغيير نمط تفكيرهم عن العداء التاريخي بين العرب والصهاينة ، وإبعادهم عن ساحة المواجهة والصراع ، وإشاعة وتعميق المفاهيم الخاطئة ، لمعنى ومفهوم السلام والتعايش السلمي لديهم ، مع ذلك الكيان الغاصب للقدس الشريف .
وكما يشاع وينشر عبر الشبكات العنكبوتية ، من معلومات تعرض بالصور والأدلة والأسماء ، وهو بأن مصر قد أرسلـت إلى الكيان الصهيوني 650 ( ستمائة وخمسون ) مجندة مصرية للتدريب العسكري ، لتأهيلهم وإعدادهم للعمل في غزة - كفرقة من قوات أمن مصرية - بعد الإنسحاب الصهيوني منها ، ولكن تلك المجندات المصريات ، إنبهرن بحياة الترف والمجون هناك ، وبوسامة الجنود الصهاينة ووقعن في حبائلهم ، والكثيرات منهن تزوجن منهم ، وحتى أن بعضهن تحولن إلى الديانة اليهودية ، ورفضن الرجوع إلى مصر ، ما عدا واحدة عادت لوحدها دون زميلاتها .
وبعضهن طلبن حق اللجوء السياسي من شارون نفسه ، الذي رعى حفل تخرج تلك الدفعة من المجندات ، والبعض الأخر منهن عملن في الملاهي والكباريهات الليلية هناك ، وهذه واحدة من تداعيات ومآسي التطبيع مع العدو الصهيوني ، الذي يسعى جاهدا لبث ونشر مثل تلك الممارسات السيئة ، الناجمة من جراء القرارات والإجراءات غير المدروسة والخاطئة ، التي تؤدي إلى السقوط والإنحلال وتفكك المجتمعات ، وتعمق في وهنها وتضعيفها .
وتواجه مصر اليوم مشاكل إجتماعية وأمنية خطيرة ، منذ تطبيع علاقاتها مع هذا الكيان الصهيوني ، فمن عمليات تهريب وتزوير العملة والمخدرات ، إلى إنتشار الفساد الخلقي والأخلاقي وعمليات التجسس على مصر ، وتجنيد الشباب المصري للتجسس لصالح الكيان الصهيوني ، وتورط الكثير من الشباب المصري في الزواج من إسرائيليات - كما سبق ذكره - بصورة أصبحت تهدد المجتمع المصري ، والذي هو في الأصل يعاني من مشاكل إجتماعية كثيرة ، منها على سبيل المثال أزمة العنوسة ، والبطالة والفساد المستشري بكافة أنواعه وأشكاله .
ولا ننكر الدور الكبير الذي لعبته مصر في إدارة دفة الصراع العربي مع الكيان الصهيوني على مدى سنوات ، وكانت هزيمة يونيو / حزيران - من العام 1967 - والتي سميت ( بنكسة حزيران ) للتخفيف من وطأة ومرارة الهزيمة التي حلت بالأمة العربية جمعاء ، والتي لا تزال آثارها ماثلة للعيان إلى يومنا هذا .
وكانت زيارة السادات للكيان الصهيوني بهدف تطبيع العلاقات في العام 1977 ، ومن ثم توقيع إتفاقيات كامب ديفيد مع ذلك الكيان الغاشم ، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، وغيرت مجريات الصراع العربي – الصهيوني وبالرغم من إنتصارات حرب رمضان / أكتوبر المجيدة - في العام 1973 - فلقد إتخذ ذلك الصراع بعدا ومنحى أخر من التخاذل والخنوع والفتور ، إلى درجة أن أصبح هذا الصراع ( صهيونيا – فلسطينيا ) ، يتعامل معه الكيان الصهيوني والدول المساندة والداعمة له ، والحاضنة لعمليات السلام المزعوم ، بالإستخفاف وعدم الإهتمام أو المبالاة ، وإفساح المجال للكيان الصهيوني واسعا ، لكي يتمادى في غيه وطغيانه وعدوانه ، ضد الشعب الفلسطيني المظلوم ، والحرب الهمجية البربرية الأخيرة على غزة ، كانت خير برهان وأكبر دليل على ذلك .
ومرت مصر بأزمات إقتصادية ومعيشية خانقة ، وعـانت منه ما عانت ، ما دعاها إلى تكملة مشوارها الذي بدأه السادات ، وحققت الكثير من المكاسب المادية والمعنوية ، وإسترجعت أراضيها التي إحتلها الكيان الصهيوني في حرب العام 1967 - وإن كانت قد أصبحت ككنتونات أو مستعمرات صهيونية منزوعة السلاح ، ويحق للقوات الصهيونية الدخول فيها والخروج منها - متى ما شاءت - والدليل على ذلك هو دخول سيارات وطائرات الإسعاف والقوات المرافقة لها ، لإجلاء القتلى والمصابين في أحداث تفجيرات طابا – بكل حرية وسلاسة وإنسياب ، ودون إهتمام أو إعتبار لسيادة مصر ، حسب الإتفاق المبرم بينهما بشأن المناطق التي تنازل عنها – الكيان المحتل – كما أطلق عليه ، عملية الأرض مقابل السلام .
وحصلت مصر على الكثير من الإمتيازات والمساعدات الأميركية السنوية ، وأسقطت ديونها التي تقدر بملايين الدولارات ، وتحسنت أحوالها الإقتصادية والمعيشية ، وإستطاعت أن تقف على رجليها وتنافس الدول الأخرى ، وأصبحت مصر مرهونة لأميركا والكيان الصهيوني .
ولكنها ستظل تدفع فاتورة السلام على مدى أعواما وأعوام ، وأولها فاتورة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني - وما جرته وما ستجره - تلك العلاقات الدبلوماسية من تداعيات وإفرازات ، ستكون نتائجها غير محمودة العواقب ، وستكون عواقبها وخيمة وجسيمة من كافة النواحي عليها ، وعلى شعبها على مدى أجيالا وأجيال ، وسيدفع ضريبتها الشعب المصري الذي يعاني من تبعات الإنفجار السكاني ، وأزمة الإسكان ، وتدني مستوى الحياة المعيشية والإقتصادية المتداعية نتيجة لذلك .
وهذا ما نراه اليوم من تواطئ النظام المصري مع هذا الكيان المعتدي ، ولم يجرأ حتى على فتح معبر رفح لمرور المساعدت الإنسانية ، إلى سكان غزة الذين عانوا حصارا قاسيا قبل العدوان الصهيوني الأخير ، وإزدادت حدة هذا الحصار وتصاعدت قسوة المعاناة ، بعد التشديد والضغط وقصف الأنفاق ومراقبة الحدود ، التي كانت الطريق الوحيد لدخول الإحتياجات اللازمة ، من غذاء ودواء لسكان غزة المحاصرة ، الذين تعرضوا لحرب همجية وبربرية صهيونية.
وتولت مصر إجراء مفاوضات ناعمة – كما يصفها أحد الأخوة الفلسطينيين ، بين قيادات حماس والكيان الصهيوني دون الوصول إلى نتائج ملموسة حتى الآن ، في محاولة لإستمرار معاناة – أهل غزة - وإطالة أمد الحصار عليهم ، لتركيعهم وإجبارهم على الإستسلام ، ولكنهم لا يزالون صامدون ، ويتحدون الضغوط الصهيونية ، ومن يسير في فلكهم ، بقوة عزيمة وشجاعة وشموخ وإباء .
وعلى الرغم مما يعانيه أهل غزة ، من نقص حاد للكثير من الحاجات والإحتياجات الماسة والضرورية ، وكذلك للحصول على المزيد من المساعدات الإنسانية والطبية ، فضلا عن مواد البناء والتعمير ، لبناء مساكنهم ومساجدهم ومدارسهم ومؤسساتهم الرسمية المهدمة ، ولا يزال العدو يناور ويراوغ ويماطل ، متعذرا بإطلاق سراح الجندي الأسير لدى حماس ، مقابل فتح المعابر والسماح بعبور المساعدات الإنسانية ، وحماس تطالب بإتفاق التهدئة لمدة سنة ونصف وبفتح المعابر أولا ، وبعدها التفاوض لتبادل أسرى ومعتقلين فلسطينيين ، مقابل إطلاق سراح هذا الجندي الأسير لديها .