بقلم : محمد خليل الحوري
مع تقدم العلم والتكنولوجيا ، وتطور وسائل الإتصالات المختلفة ، بصورة سريعة ومذهلة ، جعلت عمليات الإرسال والإستقبال ، لتبادل المعلومات ونشر الأفكار في متناول يد الجميع ، وأصبح الفضاء الخارجي يزخز بالآلاف من الأقمار الصناعية التي أحدثت ثورة تكنولوجيا عارمة في عالم البث الإعلامي ، من إذاعة وتلفاز وإنترنت وغيرها .
وأصبح هذا العالم كقرية صغيرة ، تنتشر فيها المعلومات والأخبار بسرعة تكاد تفوق سرعة الصوت ، ويستقبلها العالم لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة وساعة بساعة ، دون إعاقة أو عرقلة أو تدخل خارجي أو داخلي من قبل أجهزة الرقابة والتحكم في أية دولة ، أو من أية جهة كانت ، مما أسهم بصورة فعالة في إنتشار العلوم والمعارف والثقافات المختلفة بين عموم الناس ، كإنتشار النار في الهشيم ، بوضوح وجلاء صوت وصورة .
ولقد قربت هذه التكنولوجيا المسافات ، وسهلت عملية الإتصالات ، وأصبح الإنسان العادي الجالس أمام جهاز حاسوبه الآلي ، يخاطب العالم ويتلقى منه المعلومات المختلفة ، وبإمكانه وبسهولة تلقي معلوماته التي يرغب فيها ، وعلى سبيل المثال : المعلومات الدراسية في مختلف الإختصاصات النظرية ، دون أن يبرح مكانه ، ويحصل على الدرجات العلمية والأكاديمية ، التي يمنح من خلالها الشهادات العلمية ، المعترف بها دوليا ، والصادرة من أكبر وأشهر الجامعات العريقة في العالم .
ولكن مما يحز في النفس ويؤلم القلب ويبعث على القلق ، هو أن تلجأ بعض الدول إلى منع تدفق سيل المعلومات والمعارف ، وتتخذ مواقف وخطوات سلبية في هذا الإتجاه ، وتتجاوز حدود الحريات العامة التي كفلتها القوانين والعهود الدولية ، وتتخطى صلاحياتها في منع أو حجب المواقع الإلكترونية ، بإستخدام طرق وأساليب متعددة وملتوية ، وفرض أوامرها وتعاليمها على الشركات المزودة لخدمة الإنترنت ، لفرض حصار وضرب طوقا أمنيا على مواقع ومنتديات إلكترونية ، بهدف حرمان مرتاديها ومستخدميها من الوصول إلى مبتغاهم ، وممارسة حقوقهم في إرسال وإستقبال ما يرغبون من معلومات ، وما يطمحون إليه من فعاليات تخصهم .
وهناك في عالم الفضائيات توجد قنوات متخصصة في نشر الرذيلة والأفلام الإباحية الهابطة والساقطة ، فهل تستطيع هذه الدول أن تمنعها وتحجبها عن متلقيها ومستقبليها ، دون أن تلجأ إلى أساليب وطرق مختلفة ، قد تكلفها مبالغ باهضة في كلتا الحالتين ، وكان بإمكانها أن تستخدم أساليب تربوية وتوعوية سليمة ، ليسلك الناس الطريق القويم ولينتهجنوا النهج السليم .
ولكن بالنسبة إلى عالم الإنترنت الأمر يختلف تماما ، وخاصة فيما يتعلق بالمواقع الإلكترونية ، والتي تخص جماعات وفئات مختلفة ، ولم يصدر منها ما يخاف منه ، من تصرفات غير لائقة ، كنشر فتنة أو تفتيت وحدة أو تمزيق كلمة ، أو إشاعة باطل أو ترويج لمعصية ، فحرية الرأي مشاعة ومباحة ، وهي مكفولة للجميع ، ومنعها يعد مخالفة صريحة ، وتجاوز على حرية الرأي والتعبير ، الذي تنادي به المنظمات الدولية ، وتقر به منظمات حقوق الإنسان ولايجوز بأي حال من الأحوال أن تمنع الثقافة والمعرفة ، لكون الرأي والرأي الأخر مخالف لما نؤمن به ونعتنقه من أفكار .