بقلم : محمد خليل الحوري
ها هو شهر رمضان الكريم قد تصرمت أيامه وإنقضت لياليه ، وها هو العيد جاء يترنح مثقل الخطوات ، والناس لا تبدى له أي إهتمام ، وقد تستقبله بفتور وتـتمنى أن توصـد في وجهـه الأبـواب فإنها لم تعد لديها الرغبة لأن تستقبله بكل ترحاب ، حتى الأطفال لم تكن لديهم حماسة لإستقباله، بالرغم من إستعدادهم له بتجهيز ملابسهم الجديدة ، لقد أصبح العيد كشخصا غير مرغوبا فيه لدى الكبار والصغار ، وهم لا يرغبون في مقابلته أو التقرب إليه ، ليست هذه نظرة تشاؤمية للحياة ، ولكنه واقع حياتنا المأساوي في عصرنا هذا ، الذي أصبح الفرح فيه حلم يراود الجميع .
وصدق الشاعر حين قال ، يصف حال عموم الناس عندما يقبل العيد عليهم ، وهم في أسوأ حال :-
أقبل العيد وليس في الناس المسـرة
لا ترى إلاّ وجوه كالحـات مصـفهـــرة
كيف للناس أن يكون لها عيد تفرح فيه وتبتهج به ، وفي قلبها غصة وفي عينها قذى ، وهي ترزح تحت نير الحزن وجبروت قوى الشر والظلام في العالم ، فأين ما تولي وجهك ، تصادف الحروب والدمار والخراب ، ففي فلسطين حيث لا يزال الأقصى تحتله شرذمة من شذاذ الآفاق ، وتستبيح الحرمات وتقتل الأبرياء وتسفك الدماء ، وتحرق الزرع والضرع ، وتعيث في الأرض فسادا ودمارا ، وتبيح كل ما حرمه الله .
وفي العراق تستباح الحرمات ويقتل الأمنين ، ولا تراعى حرمة الشهر الفضيل ، وتقصف المنازل والمستشفيات بأطنان القنابل ، وتدك بالصواريخ ، فتتهاوى منازلهم على رؤوسهم ، ويسقط الشهداء في مواجهات دامية مع ملة الكفر والضلال ، ومثيرو الرعب والموت و الدمار ، في الفلوجة وغيرها من المدن العراقية.
وكذلك الحال في أفغانستان حيث لا تزال آثار الحروب والدمار تلف كل البلاد ، وعمليات القتل وسفك الدماء مستمرة ، وغيرها من الدول العربية والإسلامية كالشيشان وكشمير حيث يقتل المسلمين وتنتهك حقوقهم ، وهم يعيشون في ذل وهوان تحت سياط ورماح المحتل الغاصب لأراضيهم .
وفي الكثير من الدول العربية والإسلامية ، لا يكاد أن يخلو بيتا من ثكلى أو أرملة أو يتامى فقدوا الحامي والمدافع والمعيل ، وأصبحوا رهنا للأحزان وعوادى الدهر وتقلبات الزمان ، وأصبحت تلك البيوت تعج وتضج ببكاء الثكالا والأرامل والأيتام ، فمن أين لهم أن ينعموا بعيد أو تجلب لهم المسرات ، والأحزان تحاصرهم من كل حدب وصوب ، تقلقهم وتقض مضاجعهم .
ولابد وأن تكون هناك من بيوت - في كافة عالمنا العربي والإسلامي - تلفها وتحيط بها المآسي والأحزان من كل مكان ، وفيها النائحات والباكيات على أعزتهم المغيبون في متاهات السجون ظلما وعدوانا ، والمشردون في ديار الغربة والمهجر قسرا وغصبا ، والذين حصدت أرواحهم قتلا وتنكيلا ، فضلا عمن رحلوا بقضاء الله وقدره ، فمن أين يأتي الفرح والسرور لقلوب هؤلاء المكلومة ونفوسهم المثلومة .
ولم يعد العيد في حياة الناس مصدرا للبهجة والسرور ، وإنما هو ذكرى خاطفة إعتاد عليها الناس في هذا العالم المتلاطم الأمواج والمليء بالمآسي والأحزان ، وبقي أن يعي الناس بأن ما يحدث في عالمنا هذا ما هو إلا إمتحان لنا جميعا ، ليمتحن الله – سبحانه وتعالى - مدى صبرنا ومقاومتنا لكل ما نتعرض له من ظلم وعدوان من قبل قوى الشر والظلام – في كافة بلادننا العربية والإسلامية .
وهل بمقدورنا أن نقاوم تلك القوى ، لنحرر أنفسنا وأرضنا ، ونستعيد عزتنا وكرامتنا ، ونضع حدا لما نتعرض له من ظلم وعدوان ، وقتل وتدمير وطغيان ، لتعم السعادة في نفوسنا وترفرف رأيات الحرية والعزة والكرامة على بلداننا ، ساعتها سيكون للعيد طعما ورونقا أخر ، وعندها سنستقبل العيد بالأحضان في سعادة وغبطة وسرور .
ولن نردد قول الشاعر الذي كثيرا ما نردده الآن ، كلما لاحت في الأفق تباشير العيد ، الذي لا يجلب لنا معه لا السعادة ولا السرور :
عيد بأي حال عـدت يا عـيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيـداء دونهم
فليت دونـك بيد دونهـا بيد[/b]