نــزار حيدر لقناة (الفرات) في ذكرى شهيد المحراب:
فرصة لاستذكار القيم وتوكيد الاهداف
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM قال نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان الاحتفاء بذكرى رحيل شهيد المحراب اية الله السيد محمد باقر الحكيم، هي مناسبة وطنية وفرصة ثمينة لاستذكار القيم التي تميز بها الراحل، وتوكيد الاهداف الانسانية السامية التي جاهد وضحى من اجلها الشهيد.
واضاف نــــزار حيدر، الذي كان يتحدث في برنامج خاص بثته على الهواء مباشرة قناة (الفرات) الفضائية بمناسبة الذكرى الخامسة لاستشهاد الحكيم:
ان الاحتفاء بالذكرى ينبغي ان لا يكون بالخطب الرنانة والاجتماعات الجماهيرية الكبيرة وبالصور والبوسترات والاحتفالات الحاشدة، فحسب، بل يجب ان يصحب كل ذلك اعادة جرد حقيقية لما انجز من اهداف الشهيد وما تحقق من خططه وبرامجه، كما ينبغي ان نستذكر القيم والمناقبيات الرسالية والوطنية التي تميز بها الشهيد الى جانب استحضار الاهداف النبيلة والسامية التي جاهد وناضل من اجلها، والا فستتحول الذكرى، بمرور الوقت، الى احتفالية عاطفية لا تغني ولا تسمن من جوع.
يجب ان يكون الشهيد حاضرا في حياة العراقيين بالعمل والمشاريع والانجازات والخطط الميدانية وعلى مختلف الاصعدة، السياسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والامنية والصحية والفنية والثقافية وفي كل شئ، بالضبط كما كان الشهيد قدس سره.
عن ابرز الصفات التي تميز بها الشهيد الراحل، قال نــــزار حيدر:
لقد كان الشهيد الحكيم، على ثقة كبيرة برسالته ازاء وطنه وشعبه، وبنفسه، ولذلك لم يال جهدا في العمل على انجازها، كما لم يكن يتردد في الحديث عنها الى اي كان من اجل ايصالها الى العالم، فكان الرائد في نقل القضية الى المجتمع الدولي بعد ان كان العالم يرفض التعاطي معها، بسبب سياسة الترغيب والترهيب التي مارسها النظام الشمولي البائد، والذي كان قد اشترى بها مواقف القادة والسياسيين في العالم، كما انه كان قد اشترى ضمائر اصحاب الفتوى والاقلام ووسائل الاعلام، فبالرغم من وحشية السياسات التي كان يمارسها النظام البائد، ضد شعبه وشعوب المنطقة، وبالرغم من انه كان يمثل تهديدا دائما ومباشرا لامن المنطقة والسلم العالمي، الا ان النظام تمكن من شراء المواقف، فاسكتها او تحدثت لصالحه بعد ان غضت النظر عن جرائمه البشعة، الا ان الشهيد الحكيم نجح، وبامتياز، في كسر طوق العزلة التي حاول ان يفرضها النظام على حركة المعارضة العراقية، وبالتالي نجح في ايصال صوت العراق الحقيقي الى العالم.
كما تميز الشهيد الحكيم بشجاعة نادرة لم تثن عزيمته جرائم النظام ضد اسرته واخوته، فعندما اقدم الطاغية الذليل على قتل اول مجموعة من اشقاء الشهيد واهل بيته في محاولة منه لكسر شوكته وثنية عن مواصلة النضال ضده من اجل تحرير العراق من ربقة الديكتاتورية، لم يزده الحادث الا ايمانا وتسليما، ومضيا على اللقم، وصبرا على مضض الالم، وجدا في جهاد الديكتاتورية، واصرارا على مواصلة المشوار وتصعيد النضال، فكان الشهيد يردد مقولة السيدة زينب الكبرى عليها السلام عندما وقفت في صحراء كربلاء بعد الفاجعة الاليمة التي المت باهل بيت النبوة والرسالة {اللهم ان كان هذا يرضيك، فخذ حتى ترضى} لانه كان يعتقد ان للحرية والكرامة ثمن لابد ان يدفعه المرء، فكيف اذا كان الهدف حرية بلد وكرامة شعب؟.
والى جانب الشجاعة، فلقد تميز شهيد المحراب بالاصرار والعزيمة في التمسك بالاهداف الكبرى التي انطلق بها منذ نعومة اظفاره.
ولان الشهيد كان يتحلى بصفات وطنية عظيمة، فلم يكن دينيا بالمعنى الضيق للدين، اي لم يكن متعصبا او ضد الاخرين اذا خالفوه في الدين، ولم يكن مذهبيا بمعنى التضاد مع من يخالفه في المذهب والطائفية، ولم يكن قوميا بالمعنى العنصري للمصطلح، ولذلك كان محط التقاء جميع المناضلين ضد الاستبداد والديكتاتورية فاجتمع عنده المسلم والمسيحي والسني والشيعي والكردي والعربي والتركماني وابن الشمال وابن الجنوب وابن الشرق وابن الغرب مرورت بالوسط، وكل العراقيين الاخيار الذين آثروا النضال ضد الديكتاتورية والتضحية من اجل عز وكرامة وحرية الشعب العراقي.
لم يكن الشهيد يفكر في الغاء او تجاوز اي جهد وطني لانقاذ العراق من الديكتاتورية، كما انه لم يكن يفكر قيد انملة بالغاء احد من العراقيين اذا ما قرر ان يساهم في عملية التغيير، لانه كان يعتقد بان العراق لكل العراقيين، وان مسؤولية تحريره تقع على عاتق الجميع من دون استثناء، وان العراق الجديد سيكون للجميع لينعم بخيراته كل العراقيين.
عن حاضر العراق بعد مرور خمسة اعوام على رحيل شهيد المحراب، قال نــــــزار حيدر:
لا شك بان الشهيد، وكل شهداء العراق، ضحوا من اجل تحقيق حزمة من الاهداف النبيلة، ولذلك فان الذكرى فرصة من اجل جردة حساب لما انجز وما لم ينجز من تلك الاهداف السامية، واذا كانت الحرية والكرامة تقف على راس تلك الاهداف العظيمة، فان من الخيانة بمكان ان يتنازل الشعب العراقي عن حريته او يستهين بكرامته او يسكت عمن يحاول سحق حقوقه او التجاوز على كرامته، فلو كان الشهيد حاضرا اليوم بين اظهرنا لما سكت عن مسؤول يمد يده الى المال العام، ولما غض الطرف عن آخر يعتدي على حقوق الناس، او عن ثالث يقصر في مهامه وواجباته، لانه لم يكن حزبيا ليسكت عن تجاوز جماعته ويثور ضد الاخرين اذا ما تجاوزوا حدودهم، بل كان يرى بانه مسؤول على المحسوبين عليه اكثر من مسؤوليته عن غيرهم، ولذلك فهم اولى بالمحاسبة اذا تجاوزوا او قصروا او تواكلوا.
واستطرد نــــزار حيدر يقول:
اليس من الفشل بمكان ان لا يزال المواطن العراقي، وبعد مرور اكثر من خمسة اعوام على التغيير، يفتقد الى الماء الصالح للشرب والى الكهرباء والى مشتقات البترول والى التبريد في حر الصيف القائض والى التدفئة في برودة الشتاء القارصة؟ اليس من الانقلاب على اهداف الشهيد ان لا زالت شرائح واسعة من المجتمع العراقي تعيش تحت خط الفقر وان نسبة البطالة عالية جدا وان اعداد كبيرة من اليتامى والارامل والمعوقين لا زالوا لم يتذوقوا حلاوة التغيير، الى جانب المعاناة اليومية التي يمرون بها، وان ضحايا النظام البائد لا زالوا هم ضحايا التغيير؟ وان جيش من الكفاءات والخبرات من الرجال النزيهين والامناء، لم يجدوا الفرصة المناسبة للخدمة بسبب المحاصصة والحزبية الضيقة؟.
ان من يريد ان يحيي ذكرى الشهيد عليه اولا وقبل كل شئ ان ينتبه الى الشرائح الاجتماعية التي ناضل وضحى من اجلها الشهيد، وعليه ان يسعى للتمثل بحياتهم ليعيش معاناتهم ويتحسس آلامهم، لا ان يعيش في الابراج العاجية لا يعرف كيف يعيش الناس وكيف يقضون يومهم وكيف يطعمون اولادهم، فحياة الشهيد في مماته، بحياة هؤلاء وانتعاشهم وراحتهم، وان خلوده بتحقيق اهدافه وليس بالشعارات والكلمات والخطب التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فالشهيد كان مشروع عمل لا مشروع كلام معسول، والا لما تحول الى رمز والى انموذج.
ستزهر دماء الشهيد عندما يرى العراق وقد نال سيادته بالكامل وامسك بقراره الوطني من دون تدخلات الاخرين، وستثمر تضحيات الشهيد عندما يرى الشعب العراقي يعيش الحرية والكرامة، في ظل نظام سياسي تعددي لا مركزي ليس للاستبداد والديكتاتورية والتمييز الطائفي والعرقي مكان، كل العراقيين متساوون امام القانون كما ان امامهم الفرص متساوية من دون اي تمييز، وسنكون قد وفينا بالتزاماتنا امام الشهيد عندما يرانا متحدين ومتكاتفين، نعمل سوية من اجل العراق الواحد المتحد، لا يظلم بعضنا البعض الاخر، للرجل دور وللمراة دور كذلك، نحترم الكبير ونعطف على الصغير، ويمكن بعضنا البعض الاخر من اجل تحقيق النجاحات المشتركة، ولا يتربص احدنا بالاخر لافشاله، ولا يغتال بعضنا البعض الاخر، جسديا او سياسيا لا فرق، من اجل مكاسب شخصية او حزبية ضيقة، نحرص على المال العام ولا نبذر بخيرات العراق ولا نفرط بطاقاته وخبراته وكفاءاته.
لقد ظل الشهيد يعيش الامل على مدى اكثر من نصف قرن، مجاهدا من اجل ان يرى العراق وقد تعافى من جراحاته التي سببتها له الانظمة الديكتاتورية الشمولية التي تعاقبت على الحكم في بغداد، ولذلك فان الوفاء للشهيد يتمثل حصرا بالعمل على تحقيق تلك الاهداف، من خلال المثابرة وبذل اقصى الجهود من اجل تحقيق اماني ورغبات العراقيين في العيش الحر الكريم.
ان الانتماء للشهيد ليس امتيازا او موقعا يعتاش عليه صاحبه او دكانا يبيع ويشتري به مالكه، بل انه مسؤولية، لذلك فان على من يدعي مثل هذا الانتماء ان يصدقه بالسير على نهج الشهيد، والتمسك بذات القيم، والسير في ذات المشوار، وبذل كل الجهد من اجل تحقيق اهداف الشهيد، والتي تقف على راسها استقلال العراق وسيادته ووحدته، وحرية وكرامة الشعب العراقي النبيل.
فلا ينتمي الى الشهيد من يسعى لتفرقة الناس وتشتيت شملهم، وهو الذي بذل كل ما بوسعه من اجل توحيد الكلمة ورص الصفوف، ولا ينتمي اليه من يحاول الاستئثار بالسلطة وامكانياتها والسطو على الفرص ومنعها عن الاخرين، وهو الذي كان يسعى لتمكين نفسه والاخرين من العمل والمشاركة في عملية التغيير، ولا يحمل اسمه من يبعد ويقرب الناس على هواه من دون الاخذ بنظر الاعتبار المصلحة الوطنية العامة، وهو (قدس سره) الذي كان ينظر الى العراقيين بعين واحدة، لا يميزهم شئ.
وفي نهاية حديثه، ذكر نــــزار حيدر الحكومة العراقية بمسؤولياتها ازاء اسر الشهداء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل عز العراق وكرامة شعبه الصابر الابي، قائلا:
ليس من الانصاف ان تترك عوائل الشهداء من دون رعاية، فالمسؤولية الدينية والوطنية والانسانية تحتم علينا ان نحتضن هذه العوائل ونرعى ابناءها على وجه التحديد، ليحصلوا على الفرص المناسبة للتربية والتعليم والصحة وتاليا للعمل، لتشعر هذه العوائل بان تضحياتها كانت في محلها، وان دماء ابناءها اورقت عزا وكرامة لهذا الوطن وشعبه المؤمن، وان هناك من يعوضهم بعض الفراغ الذي تركه الشهداء في حياتهم الاجتماعية، فيتذكرهم ويحن عليهم ويتفقدهم ويرعى شؤونهم، او بعضها.
7 تموز 2008