التراشق بالكلمات السوقية لينفرط العقد
بقلم: محمد خليل الحوري
إن التحاور والتخاطب بين الناس يعد من الأمور المهمة والأساسية في تعاملهم وتفاهمهم مع بعضهم البعض لتسيير كافة شؤونهم العامة والخاصة، لكون الحوار يؤدي للتوصل إلى الحل المرضي للطرفين بكل حب واحترام ووئام وسلام.
وكذلك بالنسبة للحوار مع الطبقات المختلفة في المجتمع، فالحوار هو الأسلوب الأمثل للتفاهم وحل كل القضايا والمعاملات وغيرها من الشؤون العامة والخاصة، لتسير أمور الحياة في المجتمع بكل يسر وسهولة بعيداً عن الاحتكاك والمناوشات.
وإن الذي يتشدق بالديمقراطية، ويسعى للوصول إلى دهاليزها الضيقة ومتاهاتها الشاسعة وأبوابها الواسعة، عليه أن يتحلى بأخلاق حميدة وذوق رفيع وبعد نظر وصفات طيبة أهمها:
- تقبل الرأي الآخر، واحترام وجهات النظر المختلفة.
- التحلي بالصبر والسيطرة على رباطة الجأش.
- السيطرة على الانفعال وضبط النفس، وعدم فقدان التوازن النفسي والعصبي.
- التمتع بالأسلوب الصحيح لأدب الحوار والنقاش المتزن.
- تحاشي الوقوع في اتباع الأساليب الانفعالية، واستخدام الأيدي وغيرها للنيل من الطرف الآخر.
- الحذر كل الحذر في الوقوع في زلات اللسان، والتلفظ بكلمات غير لائقة.
- الاتزان والهدوء في مناقشة ومجادلة الطرف الآخر، مهما كان استفزازياً أو عدوانياً.
وما نشاهده عبر الفضائيات أو من خلال الواقع المعاش من مناوشات وانفعالات وشجار وعدم اتزان والاشتباك بالأيدي في بعض الأحيان، من قبل البعض في البرلمانات أو المؤتمرات أو حتى الندوات وغيرها من التجمعات المختلفة والاجتماعات العامة, يدعو لخيبة الأمل والإحباط، والتي تؤدي لفشل الغاية والهدف من وراء تلك الاجتماعات.
والمضحك في الأمر أن تلك الجلسات البرلمانية أو الندوات أو المؤتمرات، قد تكون منقولة عبر الأثير وعلى الهواء مباشرة، فيشاهد الناس في كافة أنحاء العالم ما يحدث في هذه الدولة أو تلك من فضائح ومهازل وشجار بين الصفوة المثقفة، والتي من المفترض منها أن تكون قدوةً ونموذجاً لعامة الشعب في أي بلد كان، وتتجنب الوقوع في مثل تلك الأعمال المخجلة، فيأخذ عامة الناس فكرة سيئة, وتترسب في أذهانهم صورة مشوهة عنهم وعن بلدهم، وعن أساليبهم المتبعة والغير حضارية.
وقد يختلف المتفاوضون في أمر ما، وتصل المفاوضات إلى طريق مسدود نتيجة الفشل الذريع في احتواء الأوضاع وإبداء مرونة في التفاهم, وتقديم بعض التنازلات من جانب الطرفين، قد يؤدي إلى المواجهة بين مختلف الأطراف، وتحدث معارك حامية الوطيس، لا يعلم نتائجها وتداعياتها إلاّ الله.
وفوق كل ذلك، فإن هذه الأساليب تدعو للاشمئزاز والنفور والازدراء من قبل كافة الناس، لأنها أساليب غير حضارية وتفتقر إلى أدب الحوار وأسلوب النقاش المتزن والإقناع، وقد تؤدي إلى الاحتكام إلى منطق القوة والاعتداء على الآخرين لفرض الأمر الواقع، وهذا ما لا يتقبله المجتمع المتحضر ويرفضه رفضاً قاطعاً.
فالتراشق بالألفاظ النابية وبالكلمات السوقية لن يساعد في التوصل إلى حلول مرضية، بل سيعقد الأمور ويخلق مشكلات متعددة تعرقل المباحثات والمفاوضات والقضايا التي بصدد حلها وإيجاد مخرج لها، وتخلق البلبلة والفوضى، وتدعو للعداء مع الطرف الآخر، قد يصل إلى المواجهة بينهم أو استخدام أساليب العنف والقوة، وغيرها من الأساليب التي تتخذ نهجاً سلبياً يتعارض ومفاهيم الحضارة والديمقراطية، ويسبب في توتر وتدهور الأوضاع، وتظل الأمور والقضايا عالقة بلا حلول. وقد تفرض حلول تكون في غير صالح الطرف الآخر، مما يعقد الأمر ويشعل فتيل الخلافات والمواجهة من جديد، لن تكون حتماً في صالح الجميع.
وفي أسوأ الأحوال فإن انفراط العقد وانفلات الأمر، واستخدام أساليب العنف والعنف المضاد من كلا الطرفين, أمر بات يرفضه الجميع ويستهجنه المجتمع في أي بلد كان، لأنه في جميع الحالات يكون منافياً لأبسط القواعد الديمقراطية، ويعد أسلوباً غير حضاري مرفوض من قبل الجميع.
