يصرّون يلحّون يتشددون يكابرون يعاندون ولا يصغون
(من مقالة قديمة قبل شن الحرب على العراق)
بقلم: محمد خليل الحوري
في عصر يوم الأحد الموافق للثالث والعشرين من شهر فبراير (شباط) عام 2003م كان الجو غائماً والسماء ملبدةً بالغيوم، وبعدها بدأت أصوات الرعد المتقطع تتوالى. وفي حوالي الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة، حدث صعق البرق مع دوي رعد قوي جداً في آن واحد استمر لثوانٍ معدودات. بدا وكأنه صوت قصف مدفعي مخيف جداً. ومن عجيب الصدف أن التيار الكهربائي قد انقطع في نفس الوقت, وانهمرت الأمطار بغزارة لدقائق معدودة، مما جعل الوضع مرعباً ومخيفاً، وخاصة وأن أجواء المنطقة ملبدة بغيوم الحرب، وأصوات طبول الحرب المدوية، تقض مضاجعنا وتسلب راحتنا، وتجعلنا نعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار.
راح خيالنا يسرح في شريط الحروب التي مرت بها منطقتنا في السنوات القليلة الماضية، ابتداءً من حرب الخليج الأولى عام 1980م، والتي استمرت زهاء ثمان سنوات، لازلنا ندفع مستحقاتها المادية والمعنوية والنفسية نحن سكان تلك المنطقة، وما جلبته لنا وعلى منطقتنا من مآسٍ وويلات، وانتهاءً بحرب الخليج الثانية عام 1991م، وما خلفته من خسائر فادحة في المعدات والممتلكات والأرواح، وما تركته من آثار ستظل شاخصة للعيان على مدى أجيال وأجيال.
ونتيجةً لهاتين الحربين، تولدت آثار سلبية، وعداوات بين الأشقاء، استغلتها أطراف أخرى لصالحها ولمصالحها، فراحت تؤجج نيران الفتنة وتلغم الأوضاع، ليتسنى لها التدخل وبسط نفوذها، وفرض هيمنتها وسيطرتها.
وهاهي أميركا تدق طبول الحرب, لتقوم ببطولة حرب الخليج الثالثة عام 2003م، وكم ستكون تلك الحرب مأساوية وكارثية، ولك أن تتخيل تلك الحرب، وكيف سيكون وضع العراق وهي تقصف بالطائرات المحلقة فوق أجوائها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب, بأطنان القنابل والمتفجرات والتي ستوجه إليها من الطائرات ومن البوارج الحربية المرابطة على سواحلها؛ وبآلاف الصواريخ المدمرة والموجهة بأشعة الليزر, وغيرها من الأسلحة الفتاكة والتي ستجرى تجربتها على العراق وستحول ليل العراق المظلم إلى شعلة من نار ملتهبة. ستتهاوى المباني وغيرها من المنشآت الحيوية، وستتحول إلى رماد يتطاير مع موجات القصف المستمر, وسيلقى الآلاف من الأبرياء حتفهم، وسيتشرد الآلاف من ضحايا هذا العدوان ممن سيحضون بالفرار في الفيافي والقفار، هائمين على وجوههم مروعين ومفزوعين.
ستكون هناك نكبة وكارثة كبرى، سيدفع الشعب العراقي ثمنها، وسيكابد الويلات والمآسي، وستظل البشرية جمعاء تعاني من تداعياتها، وسيكون الثمن باهظاً أيضاً على القوى الشريرة التي ستشن الحرب وعلى شعوبها، وستحصد كراهية الشعوب لها، لكونها لم تصغِ لنداء الشعوب التي خرجت عن بكرة أبيها تدعوها بعدم شن الحرب، وتعلن عن شجبها واستنكارها لشن مثل تلك الحرب، ولم تستجب لنداء العقل والمنطق، ولم تحكم عقلها وضميرها, ولم تفكر فيما ستؤول إليه الأوضاع وكم ستكون الأوضاع كارثية ومأساوية.
واليوم إن الشعوب المحبة للسلام مدعوة لأن تواصل مسيراتها واحتجاجاتها, وأن تضغط على حكوماتها، خاصة وأنه قد برزت على السطح دول لها ثقلها ووزنها تعارض الحرب بقوة، فيجب مواصلة ذلك وفضح المخططات والمؤامرات التي تخطط لها أميركا وحلفاؤها تحت حجج وذرائع واهية، ولأهداف معروفة لدى الجميع، لتجنيب العالم من الحروب والكوارث المدمرة, ومن بؤس وشقاء وعذاب ستظل تدفع ضريبته الأجيال القادمة.
إن هؤلاء المصرّين على شن الحرب، يعرفون أكثر من غيرهم نتائج تلك الحرب، ومع ذلك فهم يصرون ويلحون، ويتشددون ويكابرون ويعاندون، ولا يصغون للأصوات المنادية بوقفها، دليلاً على ضيق أفقهم وقصر نظرهم, وأن مصالحهم الشخصية وضغط اللوبي الصهيوني عليهم حجب عن أعينهم الحقيقة، وراحوا يزدادون في إصرارهم وظلالهم وتعنتهم وعنادهم.