بقلم : محمد خليل الحوري
الحديث عن قسم الطوارئ بمركز السلمانية الطبي الشهير، هو حديث ذي شجون لا يكاد أن يخلو من الحسرة والمرارة والألم، ولم تعد خافية على أحد المشكلات التي يعانيها المواطن والمقيم، وحتى العاملين والمشرفين في هذا القسم، مما حدى بأخر مدير لهذا القسم وهو طبيب متمرس ولديه كفاءات علمية، وذو خبرة ودراية طويلة أن يفر هاربا ويولي الأدبار، بسبب المشكلات التي لا تنتهي، ونحن هنا ليس بصدد التعرض لكل هذه المشكلات، بقدر ما أردنا طرح معاناة أو نقل صورة عن ما يعانيه المواطن والمقيم، عندما تضطره الظروف لأن يذهب برجليه، ورغما عن إرادته لتلقي العلاج في هذا القسم العتيد.
والذي أصبحت الناس تتوجس خيفة للذهاب إليه حتى في الحالات الطارئة، لكون المريض ومرافقيه سيمضون وقتا طويلا يمتد إلى ساعات وساعات، وهم في حال من الترقب والانتظار الممل والمقلق، لما يتطلبه العلاج من تشخيص وتحليلات وأشعة وغيرها، والاستعانة بالاختصاصيين الذين لن يكونوا متواجدين في القسم، ولكن يتم استدعاءهم من بيوتهم أو من أجنحة داخل المستشفى، وهذا الأمر يطول ويستغرق ساعات طويلة، ويتوقف على مكان وجود ذلك الاستشاري، وما إذا كان مشغولا مع مريض أخر في الجناح مثلا، أو لديه أعمال يقضيها هنا وهناك، والضحية هو المريض الذي يظل يعاني الساعات الطوال منتظرا له، وخاصة عندما تكون الحالة التي يعاني منها المريض متعسرة أو صعبة، وتحتاج إلى التشخيص الدقيق والعلاج السريع والعاجل.
وتتلخص الحالة التي جعلتنا نذهب إلى قسم الطوارئ، هو نتيجة تخوّف الطبيبة المعالجة في أحد المراكز الصحية، من ارتفاع ضغط الدم لدى المريضة، وكعادة أطباء المراكز الصحية الذين يحاولون التخلص من المسؤولية، في الحالات التي تستدعي معالجة وعناية خاصة بالمريض، أو توقع احتمال إدخال المريض إلى المستشفى، فيقومون بتحويل المريض إلى قسم الطوارئ، لتجنب السين وجيم وما تجره عليهم من مشكلات ومتاعب كثيرة، إذا ما حدث مكروه – لا سمح الله – لهذا المريض.
فبعد الكشف الأولي من قبل الطبيب المرابط في تلك القاعة التي هي أشبه بخيمة من خيام مضارب بني عبس.. وبها أسرة متقاربة من بعضها، وتفصلها ستائر من القماش مكونة حواجز مرنة، لتساعد عندما يشتد الوطيس ويزداد عدد المرضى، ليتفاجأ المريض بأن المكان الموجود فيه سريره قد انشطر – بقدرة قادر – وإذا بمريض آخر يشاطره نفس المكان، وذلك بإدخال سرير آخر له في ذلك المكان، وهنا يضيق المكان المتواجد فيه المريض، ولا يجد الطبيب المعالج مكانا له للحركة، عندما يريد فحصه أو فحص المريض الآخر (الضيف القادم من وراء الأسوار).
وتموج تلك الخيمة بسكانها من مرضى كبار وصغار، نساء ورجال وممرضات ولم نرى ممرضين فيها، غير الطبيب الذي كان يجلس في وسط الخيمة مع حاسوبه وطاولته الأثرية، الذي يدوّن فيه بعض الملاحظات عن المرضى، ويستلم نتيجة التحاليل من المختبر عن طريقه مباشرة، وهذا الطبيب يقوم بالكشف الأولي على المرضى من رجال ونساء، وكبار وصغار، وهو الذي يشخص ويقرر نوع الحالة، وما تتطلبه من علاج وأشعة وتحاليل مخبرية، أو إذا كان الأمر يتطلب استدعاء طبيبا استشاريا، أو قد يكتفي بعلاج المريض على مراحل من تحاليل وحقن (وسيلان) وأجهزة تنفس وقياس ضغط وغيرها في نفس المكان، ومن ثم كتابة وصفة طبية له، والسماح له بالذهاب إلى منزله مع مرافقه.
وكانت الحالة التي حضرنا من أجلها تتطلب تحاليل دم والتي تأخذ ساعة واحدة حتى تظهر النتيجة، وكذلك تم استدعاء اختصاصي ويعتمد حضوره على الظروف، فربما تكون ساعة أو ساعتين، وهذا الاختصاصي بعد أن تشرف بالحضور طلب أخذ أشعة مقطعية، وهذا يتطلب استدعاء فني مختص من قسم الأشعة، وطبيب مختص لكتابة التقرير، وهذا الأمر أيضا يستغرق وقتا طويلا حتى يتشرفا بالحضور، وعلى المريض ومرافقه أن يتحملا الانتظار الممل والترقب وشد الأعصاب.
وما يتخلله ذلك من تحمل ومعاناة ومشاهدة المزيد من الصور والمناظر المؤلمة أو المؤذية، أثناء جلب المرضى من قبل طواقم سيارات الإسعاف، أو الذين يأتون وهم يمشون على أرجلهم برفقة أحد من أهلهم أو أصدقاءهم، وتجد هناك من يصرخ وهناك من يئن من شدة ما يعانيه من ألآم مبرحة، وهناك من تتلوى آلما ولا تجد من يخفف عنها من ألآمها، وهناك من ينادي على الممرضة ولا يجد من يلبي نداءه أو يسمع صراخه، وهناك امرأة كبيرة في السن، ظلت تصرخ من ما كانت تعانيه من ألآم طوال فترة طويلة، وصراخها يصل إلى أخر القسم، ولم تجد من يخفف عنها، أو يعطيها حقنة مهدأة مثلا، ولا ندري ما الحكمة من وراء ذلك.
وهناك خيام أو قاعات أخرى خصصت للأطفال والرضع وللحالات الخاصة من الأمراض المختلفة، بالإضافة لأماكن خاصة لمرضى الحوادث المرورية وغيرها، والتي تتطلب عناية خاصة، واستخدام أجهزة إنعاش للمريض، فترى قسم الطوارئ يعج ويموج بالمرضى ومرافقيهم، وبالأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات، ومرضى قادمون، ومرضى مغادرون بمعية مرافقيهم، والحركة والفوضى مستمرة، وهي بلا شك تسبب إزعاجا للمرضى، وتزيد من قلقهم وتوترهم النفسي، وتتطلب من المرء المرافق لهم أن يتحلى بالصبر وضبط النفس وبرودة الأعصاب، حتى تتعدى الأزمة وما تتطلبه من تشخيص وعلاج، وانتظار ممل وتوتر، وشدّ أعصاب مثير وقلق وخوف على المريض.
وهناك من المناظر والمشاهد التي قد يلمحها المرء وتبعث في نفسه حزنا وآلما واستنكارا، أو مواساة وتعاطفا مع الآخرين، ومن بين تلك المناظر- على سبيل المثال - والتي شدت انتباه الناس بأن أحد الشباب لم يجد كرسيا متحركا لوالدته الكبيرة في السن، لنقلها إلى السيارة بعد انتهاء علاجها، فما كان منه إلاّ حملها على صدره، وهو يستهزئ ويقول :-
- بالله عليكم هل هذا مستشفى؟! وهو يقصد بأن حتى الكراسي المتحركة لم تعد متوفرة بأعداد كافية.
وبجانب أخر كان هناك أحد الشباب الذي كان في جدال مع أحد الأطباء بخصوص أحد المريضات التي تتلقى العلاج في داخل أحد الخيام، قد يكون لسبب ما، أو لعدم اقتناع الشاب بعلاج أو تصرف الطبيب، والشاب يتهدد ويتوعد الطبيب، وهناك طبيب أخر تدخل وأخذهم جانبا، لفض النزاع بينهما وحل هذا الإشكال..
وكان هناك رجل كبير في السن وقف في الممر ينتظر زوجته التي وعدوه بقدوم الطبيب الاختصاصي - الذي طال انتظاره - لمعاينتها، والرجل كان متأسفا جدا بأنه قد جاء لقسم الطوارئ برجليه وبإرادته وأحضر زوجته المريضة، وكابد رغما عنه كل ساعات الانتظار الطويلة هذه، وكان يلوم نفسه على الحضور إلى ذلك القسم، وهو الذي أعتاد - كما يقول - بأخذها إلى أحد المستشفيات الخاصة، التي لا يلاقي فيها كل تلك المشقة والعناء والانتظار الطويل، وكان يتوجه لمكتب الأطباء الأمامي بين فترة وأخرى، ويخبرهم بأنه سيأخذ زوجته ويغادر المستشفى، وهو يقول لهم : -
- إلى متى هذا الانتظار، وقد جاوزت الساعة منتصف الليل.
ولا نطيل عليكم، فلقد دخلنا هذا القسم العتيد في تمام الساعة الخامسة مساءا، وانتهت مراسيم التشخيص والاستدعاء للأطباء المختصين والأشعة والعلاج في تمام الساعة الواحدة والربع صباحا ولقد أخذ منا التعب والجهد والملل مأخذهم، ولم نكن نعلم بعدد الساعات التي قضيناها في قسم الطوارئ، لولا موظف المواقف الذي أستغرب من وجودنا كل تلك الفترة في المستشفى، وهي ثمان ساعات وربع بالتمام والكمال، ولقد تشرفنا بالمكوث والبقاء لمدة دوام كامل، والتقينا بطاقم العاملين في الدورة المسائية ودورة آخر الليل، وفي النهاية حصلنا على العلاج وهو عبارة عن ست حبات، لاستعمالها على مدى ثلاثة أيام، بمعدل حبتين يوميا، عافاكم الله وإيانا وأبعدنا وإياكم عن الحاجة للذهاب إلى هذا القسم العتيد، الذي نتمنى أن يتطوّر إلى الأحسن، وتتحسن أوضاعه إلى الأفضل.
هذه مشكلة واحدة من بين عشرات بل مئات المشكلات التي يعاني منها المرضى ومرافقيهم في قسم الطوارئ، وذلك لما يعم هذا القسم من فوضى وإزعاج وعدم تنسيق وهدر للوقت، ولكثرة عدد المترددين على هذا القسم، وتكدس المرضي وكوادر التمريض والمرافقين في أماكن ضيقة، يجعل المرضى يتعرضون لمعاناة قاسية، وضغوط نفسية شديدة، قد تسبب لهم في انتكاس حالتهم الصحية، وتأخر شفاءهم وزيادة معاناتهم، ومن المفروض أن يتوفر في مثل تلك الأماكن، الهدوء والراحة النفسية للمرضى، لكون المريض يمر بحالة نفسية نتيجة لما يعانيه من ألآم وقلق وترقب وخوف.