بقلم : محمد خليل الحـــوري
مما لا شك فيه إن الفساد المالي والإداري كان ولا يزال منتشرا في الكثير والعديد من المؤسسات الأهلية والحكومية ، وفي الشركات الكبرى الخاصة والعامة ، وفي ميادين شتى طالت حتى مكاتب الخدمات العامة في البلاد من أدناها إلى أقصاها ، وأصبح الفساد المالي والإداري صفة سائدة في المجتمع البحريني ، نظرا لغياب الرقابة المالية والإدارية ، ولضعف الوازع الديني لدى الكثير من هؤلاء المسئولين الذين منحوا صلاحيات مطلقة ، وسمح لهم التداول والتعامل بالمال العام - ودون رقيب أو حسيب .
وبطل قصتنا في موضوعنا هذا هو مدير في أحد أقسام إحدى الشركات الكبرى له صولات وجولات ، حيث أعطيت له صلاحيات كبيرة وأوعزت له مهمات كثيرة ، فلابد وأن يستغل أي شخص مثل هؤلاء المسئولون ، ذلك المركز ليستفيد من وراءه بما يخدم مصالحه الخاصة ، ويقدم خدمات لآخرين ليحصل على المزيد من المكاسب الشخصية التي تصب في مجال مصالحه الشخصية .
ولنأخذ ما فعله وقام به هذا المدير من منظور شخصي ، وواضح للعيان حتى لا نبني إتهاماتنا على شكوك وظنون قد لا تكون على أساس من الصحة واليقين ، وذلك لعدم وجود الوثائق والمستمسكات لدينا ، ما يجعلنا لا نستطيع أن نوجه له أصابع الإتهام بكل ثقة ، وكذلك لا نريد أن نظلم الآخرين على مجرد أقاويل وشكوك ليس لها مستندا ومرجعا قانونيا نستند إليه في دعوانا نحو هذا الشخص ، وغيره من الأشخاص الذين يحتلون نفس المواقع في أماكن أخرى سوى في تلك الشركة أو في غيرها من الشركات والمؤسسات التي أشرنا إليها سابقا .
ولكن القضية التي فاحت وإنتشر صداها داخل تلك الشركة وربما إنتشرت وعمت خارج الشركة ، وخاصة بأن المدير المسئول عن ذلك المدير لديه حب التشهير وفضح الآخرين ، ليغطي ويدفع عن نفسه الشبهات والشكوك والظنون ودرّ الرماد في العيون ، وهو الذي يقوم بإرتكاب الفظائع من الأمور في وضح النهار ، والتي لم تعد خافية على أحد ، شأنه في ذلك شأن الكثيرين الذين إبتليوا بهذا الداء العضال وهو داء الفساد المالي والإداري .
فعم الخبر وإنتشر بصورة مذهلة وتناقله عامة الموظفين في تلك الشركة ، عن ذلك المدير الذي يعتبر نفسه مثالا للنزاهة والأمانة ، وإذا به يتهم على الملأ بأنه مختلس بعض الأموال الخاصة بفعاليات تخص القسم المسئول عنه .
وقبل أن نسترسل في طرح القضية لا بد وأن نتأكد من صحة تلك الإشاعة وخطورة الإتهام الموجه إليه ، وقد يكون مجرد إشاعة مغرضة ، أو إن مديره الخبيث قد يكون على خلاف معه ، مما حدى به إلى أن يدبر له إشاعة ، أو ينصب له شراكا يوقعه به ويشوه سمعته وبالتالي يستطيع النيل منه والتخلص من مشاكله وبلاويه ، وهذا الأمر يفعله بعض المديرين الذين لا يملكون ذمة وليس لديهم وازع من دين أو أدنى ضمير .
و لابد أن نتطرق لبعض تصرفات ذلك المدير الذي قد يكون مفتريا عليه لتتضح الصورة أكثر لدينا ، فهذا المدير علاقاته جيدة مع كل من يتعامل معهم ، ولو كانت له بعض المواقف السلبية التي تؤخذ عليه تجاه بعض الموظفين ، وما سبب لهم من مشاكل كبيرة أوقعتهم وجعلتهم في وضع لا يحسدون عليه ، وكان هذا المدير يعد للتحضير لدراسات عليا ، وكان يقضي أكثر أوقاته بعد إنقضاء دوامه حتى ساعات المساء الأولى في مكتبه ، ويستغل كل المعدات والأدوات والأجهزة الموجودة في مكتبه في التحضير والمذاكرة ، فلقد كان طموحا ويملك من الحيوية والنشاط ، ما لا يملكه شاب في مقتبل العمر .
وكان هذا المدير كثير السفر والترحال والتنقلات طوال العام ، حيث يكون مبعوثا على حساب الشركة الخاص لدورات إطلاعية ودراسية تتعلق بمجال عمله ، والمعروف بأن تلك الشركة تدفع في مثل تلك الأمور لموظفيها بسخاء وخاصة المديرين وكبار المسئولين فيها .
والتهمة الموجهة لذلك المدير هي إختلاس ميزانية إحدى الفعاليات في الشركة ، والعهدة على الراوي - كما يقال - بأن ذلك المدير المحترم عندما واجهته إدارة الشركة عن المبلغ المزعوم ، إعترف – بكل ثقة – بأنه فعلا قد أخذ ذلك المبلغ ليعوض به مصاريف سفره الأخير لحضور دورة دراسية لمدة شهر في إحدى الدول الكبرى ، لكون الشركة لم تدفع له مبلغ المصاريف كاملة ، وهو يعتبر ذلك شطارة لأن الحقوق تؤخذ ولو بالقوة ، وهو يعرف ويفهم أساليب السادة الكبار ، وبالتالي فهو لا يعتبر نفسه مختلسا كما يدعي أعضاء مجلس الإدارة في الشركة .
ولكونه لم يكن مختلسا وهدفه ونيته لم تكن في واقعها السرقة ، وهو ليس بحاجة لسرقة مثل ذلك المبلغ الزهيد ، فلقد قررت الشركة مكافآته وإعطاءة فرصة سانحة ليتقاعد مبكرا وطوعا وحسب إرادته ورغبته ، ويمنح حقوقه كاملة مع مكافآت ومنح مالية وتعويضات سخية ، ليخرج من الشركة معززا مكرما مرفوع الرأس ، وليخرس كل الألسن التي كانت تلوك الإشاعات المغرضة ضده ، وليسكت كل الأصوات التي نشرت تلك الإشاعات والدعايات المغرضة بحقه .
وهكذا نرى مجالس الإدارات في تلك الشركات والمؤسسات المختلفة ، تكرم فرسان الفساد المالي والإداري عندما ترصدهم متلبسون بالجرم المشهود ، تكريما يليق بهم وبمراكزهم ، فهم قد خدموا وقدموا التضحيات الجسام ، وأفنوا زهرة شبابهم في تقديم كل ما لديهم من خبرات وتجارب من أجل تطوّر وإزدهار تلك الشركات والمؤسسات ، ولا بد لهم أن يكرموا ويقدروا على أكمل وجه على جهودهم الجبارة ، وإن إستدعى الأمر وجبت ترقيتهم إلى مراكز أعلى ليحصلوا على رواتب مجزية ، أو حتى نقلهم إلى شركات ومؤسسات أخرى ليحصلوا على مميزات وعطاءات وترقيات أفضل وأحسن عما كانوا يحصلون عليه سابقا .
ويبقي إخطبوط الفساد المالي والإداري في تلك الشركات الكبرى والمؤسسات الأهلية والحكومية ، باسطا أدرعته في كل ركن وفي كل زاوية ، وممتدا عرضا وطولا في مناطق واسعة وشاسعة ، طالت كافة الفعاليات والأنشطة الإجتماعية والإقتصادية وفي كل المجالات التي تمت للتعامل والتداول ولها صلة من قريب أو بعيد بالمال العام والسيولة النقدية أو حتى بالأراضي والعقارات وغيرها من أموال وممتلكات عامة .