بقلم : محمد خليل الحوري
كان ياما كان في سالف الدهر والزمان أحد المديرين في إحدى الشركات الكبرى، والذي أصبح بين ليلة وضحاها من المديرين ، الذين صاروا في خانة من لا مكان لهم ، في شغل أي من المراكز الإدارية في تلك الشركة، بعد أن قامت الشركة بهيكلة وإعادة تنظيم أجهزتها الإدارية، وأصبح هذا المدير ( وزيرا بلا وزارة ) ..
ولكون هذا المدير يتمتع بشيء من الدهاء والمكر، فطرح على إدارة الشركة المرموقة بفكرة جهنمية ، وذلك بأن يقوم بدمج عدة فعاليات أو أقسام في الشركة في قسم واحد ، مما سيتيح للشركة أن تحقق أرباحا طائلة وسمعة جيدة في مجال تطبيق أحدث النظم، وجلب أحدث الأجهزة التكنولوجية الحديثة والمتطورة .
ومن ثم يمكن إجراء تعديلات وتكتيكات تقوم بها الشركة، وتقدم خدماتها لشركات أخرى وبنوك ومؤسسات تجارية ، وتقوم كذلك بتوفير الخدمات التي تقدمها تلك الشركات لزبائنها – داخل وخارج البحرين - وخارج دوامها الرسمي حيث يعمل هذا القسم المزعوم ، بصورة متواصلة بلا توقف خلال الأربع والعشرون ساعة، وتتقاضى الشركة مقابل ذلك أجور ومبالغ من تلك الشركات، تكون بالإضافة إلى الخدمات الرئيسية التي تقدمها الشركة، وبالتالي تحقق أرباحا طائلة من جراء ذلك، وهذه الطريقة متبعة ومطبقة في أميركا والدول الأوروبية الأخرى منذ زمن طويل، وهي معروفة لكل من يتردد على تلك الدول، وتطبقها بعض الشركات في الدول العربية وعلى نطاق محدود جدا.
ونالت تلك الفكرة إعجاب الإدارة في تلك الشركة، وفي غضون فترة وجيزة تم إعطاء الضوء الأخضر لذلك المدير لتحمل مسئولية وإدارة أحد الأقسام التي تصلح لذلك ، ولها ذات العلاقة بموضوع فكرته، وأعطي صلاحيات واسعة للتصرف وإجراء ما يراه مناسبا، بالرغم من وجود مدير عام كان مسئولا عنه، وهو بدوره كان مسئولا على عدد محدود من مديرين الأقسام الأخرى، فأبعد من أبعد وعزل من عزل وظلم من ظلم ، وأساء لمن أساء من قدامى المديرين والموظفين، وجلب وعين بدلهم من المقربين له ، والذين يثق بهم لشغل مكان من أبعدهم وعزلهم، ومنحهم المراكز والترقيات، وقلدهم الأوسمة والنياشين وأجزل لهم العطايا والمنح والهبــات.
وتحرك على أعلى المستويات وعقد الإجتماعات وأقام المنتديات، والتي عادة ما تعقد في الفنادق الكبيرة، وأعد لدورات دراسية مكثفة عقدت داخل الشركة وخارجها ، وإستدعى المحاضرين من الخارج والمختصين بالشأن الذى كان يسعى إليه، بالتنسيق مع إدارة الشركة بالطبع ، والتي ساندته ماديا ومعنويا، وساعدته بسخاء وكرم عربي منقطع النظير، ومدته بالرجال وبالخيل وبالعتـــاد.
وإتفق مع جهات مختصة ومتخصصة خارج البلاد لتنظيم دورات دراسية في المجال الذي دعا إليه، وبين فترة وأخرى كان يرسل عددا من موظفيه الكبار والصغار، للبقاء أياما معدودة هناك لحضور تلك الدورات، وهي بالطبع على حساب تلك الشركة العريقة، والتي كانت كلفتها الآلاف من الدنانير ، والتي نظمها داخل وخارج البلاد، ولقد إستفاد منها ماديا ومعنويا جراء ما يحصل عليه من عمولات وإكراميات ، من تلك المؤسسات المنظمة لمثل تلك الدورات والمنتديات .
وأصبحت له علاقات قوية مع الذين يتعامل معهم في تلك المرافق – في الداخل وفي الخارج - وليس هو وحده من حصد وجنى المكاسب فحسب ، بل هناك أخرون في الشركة قد إستفادوا من وراءه، وهم من كان ينظم ويهيئ ويعد وينسق لمثل تلك الدورات، بما فيها العاملون في شركات الطيران وحجز التـذاكـر والفنادق الراقية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعدى كل الحدود والتصورات، وأخذ يسافر هو ومديريه بالتناوب إلى أميركا والدول الأوروبية للإطلاع عن كثب على أخر ما توصلت إليه التكنولوجياالحديثة من تطور وتقدم في مجال الإختصاص نفسه، وزيارة الشركات هناك التي تطبق وتزاول وتقدم مثل هذا النموذج من الخدمات ، ولها خبرة طويلة ومراكز مختصة بالمجال ذاته، وتقوم بتقديم خدماتها للجمهور.
وإستفاد البعض من المديرين - المنضوين تحت رئاسته - في حضور دورات دراسية في أميركا وبريطانيا تترواح بين الإسبوع والشهر لإكتساب الخبرات وزيادة المعلومات على أرض الواقع، وأصبحوا في حالة حل وترحال دائم على مدار العام بلا كلل وبلا ملل .
وإستغل هو الشركة وما تقدمه له من خدمات في تسيير أموره وإحتياجاته الشخصية – بلا رقيب وبلا حسيب – وأصبح يسافر عدة مرات في السنة إلى عدة دول أخرى ، تحت ذرائع وحجج ما أتى الله بها من سلطان، على حساب تلك الشركة وينفق من خيراتها.
وحتى لا نظلمه فهو إنسان منصف فلم ينس موظفيه العاديين، فنظم لهم دورات دراسية منتظمة داخل الشركة تدور حول التخصص المزعوم، ليكونوا على دراية وعلم وتصبح لديهم فكرة واضحة وشاملة في مجال عملهم في المستقبل القريب.
وروّّج وعمل دعاية كبيرة لمشروعة العملاق والذي سيصبح كالدجاجة التي تبيض ذهبا، وبالتالي ستجنى الشركة من وراءه أموالا كثيرة وأرباحا طائلة، وإقترح على الشركة تخصيص مبنى خاصا يتكون من عدة طوابق، ليكون بمثابة المجمع الذي يدير من خلاله أعماله ويقدم خدماته ، والتي سيستفيد منها الجميع من مواطنين ومقيمين في البحرين، ومن الذين يتعاملون مع الشركات الأخرى والبنوك والمؤسسات – المشتركة في المشروع - من خارج البحرين، وستعكس الوجه الحضاري للبحرين، وستكون مضربا للأمثال في التقدم العلمى والتكنولوجي، وستصبح خير مثالا يحتذى به من قبل الدول الأخرى في العالم.
هذا غيض من فيض ، من ما حدث وقام به ذلك المدير الذي أنفق الملايين – من المال العام - على فكرته الجهنمية وأريقت هذه الأموال بلا طائل وبلا نتيجة، حيث فشل في تحقيق ما كان يخطط له، ولم ير مشروعه أو بالأحرى حلمه النور ولم يتحقق على أرض الواقع وفشل فشلا ذريعا، تحت ظروف غامضة لم يعلن عنها حتى الآن، وهي بالطبع تدخل ضمن مسلسل الفساد المالي والإداري حيث إستفاد الكثيرون ماديا من وراء هذا المشروع الوهمي ، من بينها الشركات الكبرى المنظمة للدورات الدراسية والفنادق والمنظمين والمنسقين والمشرفين على تلك الدورات في داخل وخارج البلاد، وإستغل هو الصلاحيات التي أعطيت له لصالحه ولمصالحه , وحصل على ثروة طائلة وجنى أرباحا هائلة ، من وراء المعاملات والعمولات التي حصل عليها، والسفرات الكثيرة التي قام بها والأموال الطائلة التي أنفقها هو ومديريه والذين أرسلهم لدوراته الدراسية ، من نفقات السفر والإقامة على حساب تلك الشركة، وهو في واقع الأمر من المال العام.
وهذا ما ينطبق عليه القول المشهور :-
من له حيلة فليحتال ، ويقول هؤلاء الكبار الذين يحتلون مراكز عليا ، بان الحياة فرص والفرص تمر مر السحاب ، فيجب أن نستغلها على أكمل وجه ، فأنا كوزير أو كمدير ، لن أضمن بقائي في مركزي أكثر من أربع سنوات ، فيجب أن أنتهز الفرص وأستغلها لصالحي ، للحصول على المزيد من الأموال ، وأحصن نفسي وأضمن مستقبلى ، من عوادي الدهر وتقلبات الزمان ، ما دمت قد حصلت على تلك الأموال من عمولات وإكراميات ، فهي حق لي مشروع على جهودي وتفانيي في عملي ، وأنا لم أسرق - كما يدعي البعض - وكما يقول المثل الشعبي :-
لا تبوق ( تسرق ) .. لا تخـــاف .