بقلم : محمد خليل الحوري
هذه صورة أخرى من صور الفساد المالي والإداري ، حدثت في شركة كبرى أخرى ، ضمن هذا المسلسل الذي لم يلح في الأفق حتى الآن ما يبشر بإنتهاءه وتوقف حلقاته ، وأبطال القصة هم من كبار المديرين ومساعديهم في دوائر مختلفة من الشركة ، ولقد تورط هؤلاء في عمليات إختلاس ، مما حدا بالشركة للإستغناء عن خدماتهم ، و لقد تم التعتيم على القضية ، فلم نسمع بأنهم تعرضوا للمساءلة القانونية أو إنهم أحيلوا إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل .
وفي إعتقادنا بإنهم أجبروا أو بالأحرى أحيلوا إلى التقاعد المبكر وأجزيّ لهم في العطاء أو حوّلوا إلى شركة أخرى وتمت ترقيتهم كما يحدث في الكثير من الحالات – أو إنهم أسسوا لهم شركات خاصة بهم ، أو دخلوا في مشاريع تجارية تدر عليهم الملايين من الدنانير ، فلقد طويت ملفاتهم وأصبحت قضيتهم طي الكتمان وأسدل عليها الستار ، وأصبحت نسيا منسيا .
والضحية هو موظف مسئول في أحد أقسام تلك الشركة ، أرادوا أن يلفقوا له تهمة السرقة وخيانة الأمانة ، على حد تعبير أحد كبار المسئولين في الشركة ، الذي صرح للإذاعة للرد على تظلم ذلك الموظف الذي عرض قضيته في أحد البرامج في إذاعة البحرين ، وحاول هؤلاء التخلص من ذلك الموظف ليجلبوا مكانه موظفة أخرى في الشركة من بني جلدتهم ، حيث حاولوا إلزامه بتدريبها لتحل محله ، فتصرفوا بصورة مفضوحة وبكل غباء .
ونتيجة لإنتشار البطالة المزرية فإن هؤلاء ومن هم على شاكلتهم يمارسون ( الإرهاب الإداري ) للتضيق على بعض العاملين والعاملات بهدف تطفيشهم ومضايقتهم ، ليجلبوا محلهم بني عمومتهم وأقاربهم ، من أجل منافع ومصالح شخصية .
والجدير بالذكر ليس هم بعض المسئولين فقط الذين يتعرضون لمثل تلك الممارسات ، بل هناك مديرين وربما يكونون من كبار المديرين ، ويجد الواحد منهم نفسه بين ليلة وضحاها ، قد أصبح ( وزيــرا بلا وزارة ) بمعنى إنه قد أصبح وهو مجردا من كافة الصلاحيات التي لديه ، وداوم أم لم يداوم ، فإن أحدا لن يسأل عنه لأنهم يتجاهلونه بهدف محاربته نفسيا ، فيعيش في حالة نفسية مزرية ويضطر لمغادرة الشركة بعزة نفس وكرامة ، وقبل أن يلتحق بأحد عنابر مستشفى الأمراض النفسية .
وإليكم قصة هذا الموظف المسئول ، بالتفصيل الممل وكما حدثت وما لحق بها من مفاجأة كانت في صالح ذلك الموظف الذي كاد أن يفقد سمعته قبل وظيفته ، ويكون ضحية لمؤامرة دنيئة ، خطط لها من قبل شرذمة من الناس باعت ضميرها ووازعها الديني :-
( على رغم التوصيات والقرارات الرسمية والتي تصدر من الجهات العليا في البلاد ، في كل ما يهم العامل البحريني من إيجاد وظائف وتأهيل وتدريب وصيانة لحقوق العمال ، ومحاربة التعسف والتلاعب بحقوق العمالة الوطنية ، وقيام نقابات عمالية في الشركات والمؤسسات ، لحماية مصالح ومكتسبات أبناء هذا الوطن من العاملين والعاملات .
فلا يزال هناك من يتصرف ويعامل الموظفين والعاملين بصورة تعسفية ، ويخلق المشكلات لهم ويضايقهم بإستمرار من أجل أمور يمكن حلها وديا وأخويا ، ويتصيد عليهم في الماء العكر ليجد ذرائعا وأعذارا لتمرير مخططاته ونواياه الخبيثة ، ويصل إلى هدفه بأسرع وسيلة وبأسهل الطرق والأساليب .
والمشكلة تتلخص فيما يأتي :-
لقد طلب مدير ( الموظف المسئول) منه للقيام بالعمل وقتا إضافيا بعد إنتهاء دوامه الرسمي ، ليقوم بإنهاء بعض الأعمال المتراكمة في المكتب ، وذلك لعدم وجود موظف يقوم بمهام تلك الوظيفة في الوقت الحاضر ، فلم يكن لهذا الموظف المسئول أن يرفض أوامر مديره ، فكان يواصل العمل بشكل يومي وحتى في أيام عطلته الإسبوعية ، ويترك إسرته وأولاده لينهي تلك الأعمال المكدسة بأسرع وقت ممكن ، وبالطبع يقوم بتسجيل تلك الساعات كعمل إضافي يستحق عليه الحصول على أجر، كما هو متبع ومتعارف عليه في كافة الشركات وفي كل مكان في العالم .
ومن ثم يقوم مديره المباشر وهو ( بريطاني الجنسية ) بالتوقيع على هذه الساعات بصورة رسمية ، تدفع له بشكل إعتيادي عن طريق قسم الرواتب في الشركة ، ولديه ما يثبت صحة المعلومات والبيانات المتعلقة بها ، وعن طريق بطاقة الدخول والخروج الآلية
مع العلم بأن الكثير من الموظفين على الدرجة نفسها يقومون بالعمل ساعات إضافية ، وتحتسب لهم كوقت إضافي مدفوع الأجر وإدارة الشركة على علم ودراية بذلك .
لقد تفاجأ ذلك الموظف بمدير الدائرة المباشر يقوم بالإتصال به ويقول له وهو غاضبا :- أنت ومديرك تسرقون الشركة ، وسأحوّل أمركما إلى شئون الموظفين ، تعرف بأنك على درجة (...) وتسجل لنفسك ساعات إضافية ، فما كان من (الموظف المسئول ) إلاّ أن شكره على إسلوبه غير الحضاري ، ومن ثم إتصل به ذلك المسئول مرة أخرى وقال له :-
- إترك العمل الآن وإذهب إلى بيتكم .
ولم يكتف بذلك ، بل قام بتوقيفه عن العمل لمدة خمسة أيام في البداية ، وجعله يعيش على أعصابه وفي حالة من الترقب والقلق على مصيره بعد خدمته للشركة لأكثر من ستة وعشرين عاما .
( أهكذا يجازى الموظفون بعد كل هذه السنوات من الخدمة والعطاء ، لكون هذا الموظف إحتسب له أجرا لما قام به من عمل إضافي ، يعامل بهذه الهمجية والرعونة والإرهاب ) .
بعد إنتهاء فترة التوقيف عن العمل ، إستدعوه في مكتب شئون الموظفين للإستجواب والتحقيق البوليسي معه ، وبعد توجيه اللوم والإتهامات والإهانات ، قالوا له : تعال غدا سنخبرك بقرارنا والإجراء الذي سيتخذ ضدك . ( وكأنه قد إرتكب جريمة كبرى ) .
وفي اليوم الثاني ، ذهب إليهم ، وبعد إنتظار طال أمده ليتركوه ينتظرعلى أحر من الجمر ، ليعاني من الترقب والقلق والرهبة ، وهذا يدخل ضمن إسلوب التعذيب النفسي والمعنوي ، الذي يمارسه مثل هؤلاء المتنفذون الذين لا يراعون ذمة ولا ضمير ، وأخيرا قالوا له بكل برود :-
- إذهب إلى بيتك و سوف نتصل بك لاحقا .
وإتصلوا به في نهاية دوامهم ، وأخبروه بأنهم قرروا توقيفه عن العمل لمدة إسبوعين ، إبتداءا من يوم إتصالهم به .
من الواضح بأن مثل تلك التصرفات البوليسية والغير مسئولة ، تنم عن حرب نفسية هدفها تحطيم المعنويات ، ومضايقة الموظف وتطفيشه ، ليجلبوا من يريدون ليحل محله .
ومن خبثهم ودناءتهم ، إستدعوا الموظف الذي كان يشغل وظيفة هذا الموظف سابقا – وهو متقاعــدا – ليقوم بالبحث والتدقيق والتحري لعلهم يجدون أي مستمسك عليه أو على ما يدينه ، لدرجة إنهم قاموا بتغيير أقفال المكاتب والأدراج في مكتبه .
وبعد إنتهاء الإسبوعين ، وبعد المماطلة وعدم السماح له بممارسة عمله ، إستدعوه إلى مكتب شئون الموظفين ، للتوقيع على إنذار كتابي نهائي ، للإقرار بأنه كان يعلم بأن عليه أن لا يعمل أوقاتا إضافية ويأخذ عليها أجرا ، ولكنه خالف الأنظمة المعمول بها في الشركة ، وغيرها من التهم الباطلة لكونهم لم يستطيعوا الحصول على ما يدينه أو يمس سمعته من قريب أو بعيد .
ولكنه رفض التوقيع على إنذارهم لما يحمله من المغالطات والإجحاف ، والتهديد بإسترجاع المبالغ المدفوعة له والتي تتعلق بعمل الوقت الإضافي .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، ومع إنه كان يداوم دون أن يمارس مهمام عمله بالصورة الإعتيادية ، إلاّ إنهم إستمروا في مضايقته ، ففي كل يوم يرسلون له رسائل إستفزازية ، ويطلبون منه تدريب إحدى الموظفات في الشركة لتقوم بمهام عمله ، ويقولون له بأنهم سوف يبحثون له عن أية وظيفة في قسم أخر .
وهذا بالطبع يجعله في حال من عدم الإستقرار النفسي والمعنوي ، ويعد تعذيبا نفسيا ومخالفا لما جاء في ميثاق العمل الوطني .
ولقد صرح أحد كبارالمسئولين في تلك الشركة للإذاعة ، بعد أن رفع ذلك ( الموظف المسئول ) مشكلته إلى الإذاعة ، بتصريح مليء بالمغالطات والقذف بحق الموظف ، وإتهامه بالسرقة وخيانة الأمانة ، وهو لم يكن على دراية بحيثيات الموضوع ، وهذا يعطي الموظف الحق في رفع دعوى قضائية عليه ، والذي كان من المفروض أن يكون حياديا ويسمع من كافة الأطراف المتنازعة ، قبل أن يتسرع ويشن هجومه عليـه ، مع الـعـلـم بأن (الموظف المسئول ) طلب مقابلة ذلك المسئول ، ولكنه كان يتهرب من مقابلته ويتذرع بأنه مشغولا .
والجدير بالذكر بأن هذا ( الموظف المسئول ) ، لم يقف موقف المتفرج ، وهو يشاهد هؤلاء يتأمرون عليه ويشهرون به ، فلقد رفع قضيته إلى المدير التنفيذي في الشركة ، وإلى رئيس النقابة فيها ، وإلى الديوان الملكي وإلى مكتب الوزير ، وقد قابل الوزير بعد اللتيا والتي ، وأمره الوزير بكتابة رسالة قوية يطلب فيها منهم إرجاعه إلى وظيفته الأصلية ، ويطلب منهم رد إعتبار لما حصل له ، وكتب الرسالة وسلمها لمكتب الوزير ، ولكن الموظف المسكين في نهاية الأمر لم يحصل على أي شيء يذكر ، وإضطر مرغما على التقاعد المبكر ، بعد طول معاناة وقلق و مجهود كبير بدله ليبرئ نفسه ويفند إتهاماتهم الباطلة .
ولكن كما يقال : جولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة ظهرت الحقيقة متجلية في أبهى صورها ، فلم تمض إلاّ شهورا قليلة ، وإذا بالحقيقة تتكشف عن تورط مديره المباشر ، الذي قال له : أنت ومديرك تسرقون الشركة ، وسأرفع أمركما إلى شئون الموظفين ، ومساعديه وأحد كبار المسئولين في الشركة في عملية إختلاس مالية وفضيحة مخزية لهم .
وهم الذين أرادوا توريط وإتهام ذلك ( الموظف المسئول ) بالسرقة وخيانة الأمانة والضغط عليه ، لإبعاد الشبهات عنهم ود ر الرماد في العيون ، وكان المفروض من الشركة رد إعتبار ذلك ( الموظف المسئول ) وإرجاعه لوظيفته أو حتى ترقيته ، ولكن الشركة تجاهلت قضيتـه ، وتجاهلت خدمته لها لأكثر من ستة وعشرين سنة ، وتركته يتقاعد وهو يحمل إنطباعا سيئا عن الشركة وإدارتها ، وقلق ومعاناة قاسية تكبدها بلا سبب طوال عدة شهور ، وتعرض لمشكلات كان هو في غنى عنها .
وهي مؤامرة قذرة إقترفها إولئك النفر من الناس الذين همهم الحصول على المال عبر الطرق الملتوية والغير مشروعة ، فتجردوا من ضميرهم ووازعهم الديني ، وتخلوا عن مبادئهم وقيمهم وأخلاقهم ، فكانت نهايتهم مزرية وسمعتهم ملطخة بالعار والشنار ، فهل يتعظ ويتعلم الدروس من يسيرون على دروبهم ؟!