بقلم : محمد خليل الحوري
إن قضية الإفلاس الإكتواري لهيئتي التأمينات الإجتماعية وصندوق التقاعد، والتي كانت حديث الساعة لعامة الناس في البحرين، والتي تناولتها الصحافة وتطرقت لها بشكل يومي تقريبا، لكونها قضية حساسة وفي غاية الأهمية لشريحة كبيرة من الناس، وهي الطبقة العاملة والتي تمثل الغالبية العظمى تقريبا من أبناء هذا الوطن، وهي تدخل ضمن الفساد المالي والإداري المستشري في الكثير من الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية، وذلك لعدم وجود الحسيب والرقيب، وجهاز الرقابة المالية والإدارية في فترة ما قبل الإصلاح والإنفتاح السياسي الذي أوجد المنهج الديمقراطي و الشفافية نوعا ما، والتي أدت وساعدت السلطة التشريعية على كشف بعض الملابسات وما آلت إليه الأوضاع المالية لهيئتين مهمتين تتعاملان بالمال العام، نتيجة لإستثمار أموالهما والتصرف بها بطريقة قد حادت عن جادة الصواب وأخفقت في إتخاذ الطريق الصحيح والنهج القويم للإقدام على الدخول في سوق الإستثمار، في مخاطرة ومجازفة قد كانت عواقبها وخيمة ، وخسائرها كبيرة ، وكذلك التصرف بتلك الأموال بتقديمها كقروض أو تبرعات أو إلغائها عن كاهل مقترضيها فأعطت وتبرعت بسخاء ، وباعت وإشترت في أملاك بدون إكتراث ، فكانت النتيجة إفلاس إكتواري لكلتا الهيئتين .
وكذلك القوانين والتشريعات التي تطبق في هاتين الهيئتين على المتقاعدين تحتاج في واقع الأمر إلى إعادة النظر فيها وتعديلها ، لتتناسب والواقع المعاش ، حيث إن تلك القوانين في كلتا الهيئتين قد مضى عليها سنوات عديدة منذ صدورها في السبعينيات ، ولقد تغيرت الأوضاع الإقتصادية في العالم ، ولم يعد الراتب التقاعدي يكفي ذلك المتقاعد وأفراد عائلته ، وأصبح هذا المتقاعد يعاني هو الأخر من إفلاس إكتواري ، كما تعاني كلتا المؤسستين ، لكون مصروفات المتقاعد ونفقاتة الشهرية تفوق على راتبه التقاعدي ، وخاصة بالنسبة للمنضوين تحت مظلة هيئة التأمينات الإجتماعية ، حيث يصل الراتب التقاعدي إلى نسبة لا تزيد عن 45 % من الراتب الأساسي قبل التقاعد .
وتلك القوانين والتشريعات لا تصب في صالح المتقاعد في كثير من الأحوال ، وحتى بالنسبة للعامل في حالة إصـابات العمـل وعلى رغـم ما تحصل عليه تلك المؤسستين من الكثير من العائدات المالية الأخرى التي تفرض على المتقاعدين تحت مسميات مختلفة ولأسباب عديدة ، فإن الأمور وصلت بهما لإعلان إفلاسهما الإكتواري ، فما بالك بذلك المتقاعد الذي يكون راتبه التقاعدي هو مصدر رزقه الوحيد ، مع غلاء المعيشة وإرتفاع الأسعار ، ولتوضيح الصورة أكثر ، نطرح تلك الحالة على سبيل المثال لا الحصر :-
أحد العاملين خرج في تقاعد مبكر بعد أن خدم في إحدى الشركات الكبرى ما يقارب من السبعة والعشرين عاما ، فعندما ذهب إلي التأمينات الإجتماعية ، في شهر يوليو 2003 م ، فأعطوه ملف يحتوي أسئلة كثيرة للحصول على معلومات عن كافة أفراد العائلة بما فيهما والدي المتقاعد ، ونسخ للبطاقات السكانية والجوازات لكل الأفراد ، والشهادات الدراسية للأفراد الذين وصلوا المرحلة الثانوية والجامعية ، من البنين ، مرفقة بصفحتين تحملان عشرة شروط ، وأخرها يحوي على تهديد ووعيد ومخالفات قانونية وعقوبات ، ومن ثم طلب توقيع ثلاثة شهود للإقرار بصحة البيانات والمعلومات المدرجة في ذلك الملف والتي ملئت من قبل المتقاعد نفسه .
وعندما سلم أوراقه وملحقاتها ، وأجروا الحسابات ، قالو له بأنك لم تكمل حتى الآن السبعة والعشرين عاما من الخدمة ، وعليك أن تشتري الأربعة شهور المتبقية ، وألزموه أن يدفع مبلغا وقدره ( أربع مائة وسبع وثلاثون دينارا بحرينيا ) ، ليحصل على راتبه التقاعدي كاملا – على حد تعبيرهم – ثم قالوا له بأنه لم يصل عمره إلى الخمسين عاما حتى الآن ، فإقتطعوا من راتبه التقاعدي نسبة 15 % ، والتي وصلت إلى مبلغ وقدره أكثر من خمسة وعشرين دينارا بحرينيا شهريا بالطبع ، والمؤسف إنه عندما أكمل الخمسين عاما في بداية العام 2004م راجعهم لإرجاع ما إقتطعوه من راتبه التقاعدي والذي نسبته 15 % فقالوا له بأنه لن يعوض هذا المبلغ المقتطع منه ، وسيظل راتبه التقاعدي ، كما حسب له منذ بداية تقاعده ، وهذا ما يفرضه القانون ، كما أخبره أحد المسئولين عندما راجعه للتأكد من صحة كلام الموظف عن رواتب التقاعد في هيئة التأمينات .
فـمن ينصف ذلك المتقاعد ، ومن سيعوضه عـن تـلك الخسارة ، ولـماذا لا تعدل القوانين بالنسبة للمتقاعدين مبكرا ، أو توضع قوانين جديدة تخـص المتقـاعدين مبكرا ، حتى لا يظلمـون ويبخسـون حـقهـم ، ولماذا لا يتم دمج كلتا الهيئتين في مؤسسة واحدة ، ويتم توحيد المزايا فيهما ، لينال كل ذي حق حقه ، وينصف المتقاعد الذي أفنى سني عمره وزهرة شبابه في خدمة هذا الوطن ، وهذا المعاش التقاعدي ما هـو إلاّ حـصيلة ما إقتطـع منه طوال سنـوات خدمـته مضافا إليه ما تساهم به شركته أو وزارته من مال يصل إلى نحو 50 % مما يقتطع منه .