على كراسي النعام الوفيرة وتحت قبة البرلمان الشهيرة !!
بقلم: محمد خليل الحوري
كثيراً ما نسمع بأنه أُسند إلى الشخص الفلاني تشكيل حكومة جديدة في الدولة الفلانية ليكون هو رئيس وزرائها، وبعد فترة يعلن أن الحقائب الوزارية قد وزعت على الوزراء الذين قد تم تعينهم. قد يتساءل البعض لماذا يتم توزيع الحقائب على الوزراء؟ ولا بد وأن تكون تلك الحقائب الوزارية فاخرة جداً وباهظة الثمن, وتكلف الدولة الشيء الكثير. ونادراً ما يستخدم هؤلاء الوزراء تلك الحقائب، لأننا لم نرَ -لا في الواقع ولا على شاشات التليفزيون- وزيراً يحمل حقيبته الوزارية، وخاصة في دول الخليج، فلا نراه إلاّ وهو ملتف بعباءته (بشته الكشخة وملابسه الجديدة البراقة ناصعة البياض, والتي تكلف الدولة الشيء الكثير والمال الوفير)؛ وإن أراد يوماً أن يحمل حقيبته الوزارية, فهو يخول مدير مكتبه أو سائقه لحملها.
في حين نرى الكثير من الطلبة -وخاصة في الكثير من مدارسنا وحتى في جامعاتنا- وهم يحملون كتبهم بأيديهم لكونهم لا يستطيعون توفير ثمن هذه الحقيبة. فلماذا لا توفر وزارات التربية والتعليم حقائب لمثل هؤلاء الطلبة؟ وبالطبع فإن ثمن حقائب كل هؤلاء الطلبة لن يتعدى ثمن حقائب الوزراء, وربما يكون هناك فائضٌ من المال يمكن توزيعه على هؤلاء الطلبة المحتاجين لتسيير أمورهم وشراء ما يلزمهم من أدوات مدرسية وقرطاسية واحتياجاتهم الأخرى.
والحقيبة بالرغم من أهميتها في حفظ الأشياء المهمة والخاصة لأي شخص, قد أصبحت عند البعض من مظاهر الوجاهة والأهمية والتفاخر, وخاصة المدراء الذين نراهم عند دخولهم وخروجهم من الدوام وهم يحملون حقائبهم ويتمخترون بها ذات اليمين وذات الشمال، لدرجة أن العدوى قد انتقلت إلى بعض الموظفين المتحذلقين الذين يحبون المظاهر والتباهي والتفاخر، ولو فتحتَ حقيبة أحدهم، فلن تجد فيها إلاّ أوراقاً عاديةً, وربما بعض الجرائد والمجلات وبعض الأشياء الأخرى.
والحقيبة في السابق والتي كان يحملها مثل هؤلاء المدراء ورجال الأعمال، وهي المعروفة بـ "الشنطة الدبلوماسية", وربما اشتقت أو جاءت تلك التسمية لكون تلك الأنواع من الحقائب والشنط يستخدمها السفراء والدبلوماسيون بكثرة، ولقد تغيرت وأصبحت تشبه إلى حد بعيد الحقيبة المدرسية المصنوعة من الجلد. وهناك من يبالغ في حمل حقيبتين بدلاً من واحدة، كما نشاهد في جامعة البحرين بأن هناك بعض الأساتذة يحملون حقيبتين, وكل حقيبة تكاد أن تنوء بحملها وكأنها على وشك الانفجار من كثرة ما بها من حمولة زائدة.
والطريف في الأمر بأن البعض يحمل واحدة بيده والأخرى محمولة على كتفه، ولا ندري السر من وراء حمل حقيبتين. وقد يستعين البعض في المستقبل بحمال أسيوي ليحمل عنه تلك الحقائب. وعلى ما يبدو بأن إحدى الحقيبتين بها جهاز الكمبيوتر النقال أو المحمول الخاص بالأستاذ أو الأستاذة الجامعية.
ونعود إلى النواب وغيرهم في مجالس الشورى والبرلمانات، وخاصة في دول الخليج, فهؤلاء يحصلون على كل لوازم كشختهم –كما يقال في الخليج- من لباس ومداس وعطور وزهور من الدولة، وكذلك تعطى لهم سيارات فارهة وفخمة كل عام، وهبات وعطايا ومكافآت ومكرمات وعلاوات سفر وتنقل، وسفرات عمل واجتماعات إلى مختلف دول العالم، وهي تكلف الدولة ميزانية باهظة، وبذلك تصبح احتياجاتهم زائدة وأموالهم كثيرة وفائضة. ويعيش هؤلاء النواب في بحبوحة العيش الرغيد وفي ترف ونعيم, وتصبح أيامهم أعياد، وتظهر صورهم في الجرائد والمجلات وفي الدعايات وعلى شاشات الفضائيات المحلية والعالمية، ويصبحون مشهورين كنجوم السينما في مصر أو في هوليود، ويطاردهم رجال الصحافة وتلاحقهم كاميراتها.
بينما أفراد الشعب الذين صوتوا لهم وانتخبوهم وجعلوهم ينعمون بالخيرات ويحصلون على الهيرات والليرات، ويتمتعون بالجلوس على كراسي النعام الوفيرة، ويستظلون تحت قبة البرلمان الشهيرة, ويحصلون على كل ما يلزمهم من أدوات وأغراض بأسعار رخيصة زهيدة. ولكن الذين أوصلوهم إلى مراكزهم الكبيرة لا يحصلون على مطالبهم المطروحة، ولا على حقوقهم المشروعة، وهي لدى النواب معروفة ومشروحة وتظل نفوسهم في حسرة كسيرة مشروخة.
والوزراء لا يحصلون على الحقائب الوزارية فقط، فهم يحصلون على أضعاف مضاعفة مما يحصل عليه رفاقهم النواب. فهذه الحقيبة الوزارية التي يحصل عليها كل وزير ليست كما يتصور أو يفهم من التسمية بأنها حقيبة فاخرة باهظة الثمن، وإنما هي مجرد تسمية يقصد بها إسناد مسؤولية تحمل أعباء وزارة معينة إلى وزير معين, فيقال تم ترشيح فلان الفلاني ليحمل الحقيبة الوزارية في وزارة ما، أي يسند إليه القيام بمنصب وزير في وزارة معينة، وهذه المصطلحات معروفة ومشهورة.
زاد الله في ثرواتهم وأكثر من أموالهم! فلو فرضت ضريبة الدخل على هؤلاء النواب والوزراء وكبار المسؤولين في البلاد، وعلى الشركات والمؤسسات التجارية والبنوك وعلى كبار المسؤولين فيها –كما هو مطبق ومعمول به في الكثير من دول العالم مع الدعم والإسناد الحكومي- لتوفرت أموال طائلة وثروات هائلة يمكن الاستفادة منها في مساعدة الفقراء والمحتاجين, وفي إقامة المشاريع الخيرية والاستثمارية التي ستدر أرباحاً وخيرات كثيرة تساعد في الحد من معاناة الفقراء, والتقليل من عدد العاطلين, والتوصل إلى حل الكثير من القضايا والمشكلات العالقة, والتي تزعج وتقلق المواطنين والحكومة على حد سواء.
بالإضافة إلى التخطيط الدقيق والمحكم, والسعي في إيجاد البدائل والحلول الناجعة للتخلص من العقبات التي تحول دون تحقيق الخطط والأهداف الموضوعة للحد من مشكلات الفقر والبطالة، والعمل على تطبيق خطة عمل لإحلال المواطن بدلاً من الأجنبي في كافة المواقع، ووضع خطة رباعية أو خماسية, الهدف منها الدخول في مشاريع تنموية واستثمارية لإنعاش الاقتصاد الوطني, في سبيل القضاء التدريجي على الفقر والبطالة، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن, وزيادة الدخل القومي للفرد, ولتغيير الأوضاع نحو الأفضل لتحقيق العدالة والمساواة والرفاهية وتكافؤ الفرص لكافة المواطنين في البلاد، والقضاء قضاءً مبرماً على التداعيات والسلبيات الناجمة عن الفقر والبطالة, كالفساد المالي والإداري والتمييز والطائفية وغيرها من مساوئ مزرية تقف عقبة كأداء وحجر عثرة في طريق جهود الإصلاح.