خطاب رئيس وزراء ماليزيا في مؤتمر القمة الإسلامي .... !
بقلم: محمد خليل الحوري
إن ما صرح به رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في مؤتمر القمة الإسلامي يتسم بالجرأة والشجاعة المطلقة، وقلّما نسمع بمثل تلك التصريحات الجريئة عن الصهاينة الغزاة وأعمالهم الإجرامية، والتي يعرفها القاصي والداني، وخاصة هؤلاء المنحازون والمتعصبون للصهاينة، ولكنهم يتغاضون عنها ويتجاهلونها، والذي جعلهم ينفعلون ويجاهرون بتعصبهم وانحيازهم في ردود أفعالهم المتشنجة، والتي تعكس ما بداخلهم, وربما حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين.
إن ما أدلى به السيد مهاتير محمد، لا يعبر عن رأيه فقط, وإنما هو يعبر عن رأي غالبية المسلمين حول ما يحدث, ونلمسه بوضوح لهيمنة الصهاينة على العالم، والدليل هو الصمت المطبق لهؤلاء المتحيزين, وغض الطرف عن الجرائم البشعة والانتهاكات والتجاوزات على كل الأعراف والقوانين الدولية للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.
يقول السيد مهاتير في خطابه أمام مؤتمر القمة الإسلامي في كوالالمبور: "إن الأوروبيين قتلوا ستة ملايين يهودي من إجمالي 12 مليوناً، ولكن اليوم يحكم اليهود العالم بالوكالة، فهم يلجؤون لغيرهم للقتال والموت نيابة عنهم، ولا يمكن لمليار وثلاثمائة مليون مسلم أن يهزموا على يد بضعة ملايين من اليهود".
وهذه هي الحقيقة والواقع التي يعرفها الجميع، والتي يتحمل كافة المسلمين إفرازاتها وتداعياتها، مما دعا القادة المسلمين للتصفيق بحرارة له، تأييداً له على ما أشار إليه وما يتمتع به من جرأة قل نظيرها في عصرنا هذا، حيث أصبح قادة الدول يتجنبون التصريح بمثل هذه الأقوال خوفاً مما سيلحق بهم من استهداف وتهديدات من قبل أميركا والدول الأوربية الأخرى، والتي سرعان ما رأيناها أثارت العواصف والزوابع على تصريحات السيد مهاتير محمد، وخاصة الدول الكبرى منها، وفيما يلي بعض ردود الفعل المدوية، والتي تحمل في طياتها اتهامات أقلها معاداة السامية ترديداً للأسطوانة المشروخة التي يرددها الصهاينة, ويتخذون منها ذريعة لاتهام الآخرين ومهاجمتهم.
واحتجاجات واستنكارات وانتقادات نارية، كما ورد في تقرير الإذاعة البريطانية الإخباري، ليوم الجمعة 17 / 10 / 2003:
"استدعت وزارة الخارجية البريطانية المفوض الأعلى الماليزي لدى لندن, وأبلغته أن حكومة صاحبة الجلالة تعتبر التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الماليزي عن اليهود غير مقبولة.
كما استدعت ألمانيا القائم بالأعمال الماليزي في برلين وأبلغته برسالة مماثلة. كما انتقد التصريحات وزير الخارجية الأسترالي الكسندر داونر، ومسؤولون من حكومات ألمانيا وإيطاليا التي تترأس الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية. وقال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أن التصريحات تعتبر معادية للسامية وضد مبادئ التسامح والحوار والتفاهم.
كما ندد الحاخام أبراهام كوبر من مركز سيمون فيسنتال بالخطاب, وأعرب عن صدمته لإمكانية أن يتفوه السيد مهاتير محمد بعبارات كهذه خلال قمة ضخمة تعقد على هذا المستوى ويحضرها عدد كبير من قادة العالم، واعتبر الحاخام خطابه دعوة لمزيد من الكراهية والإرهاب ضد اليهود. إن دل هذا على شيء إنما يدل على التعصب الأعمى لهذه الدول تجاه الكيان الصهيوني، وبذلك يكون السيد مهاتير محمد قد فضح نواياهم وجعلهم يكشفون عن مواقفهم المنحازة دوماً لهذا الكيان. ولم يبقَ للدول الإسلامية جمعاء إلاّ أن تتخذ مواقف أشد حزماً وصلابة, حتى يعرف هؤلاء المنحازون والمتشددون بأن هذه الأمة الإسلامية لا تقبل الذل والإهانة, وإنها مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل كرامتها وعزتها وحريتها واستقلالها، ولا تقبل بأن تكون في يوم من الأيام مستعبدة وذليلة, ولا ترضى بأن تداس كرامتها وتسلب حريتها بأي حال من الأحوال.
ولقد دافع السيد مهاتير محمد عن تصريحاته، معرباً عن ما تتعرض له الأمة الإسلامية من انتقادات واتهامات بلا وجه حق، ورافضاً الاعتذار عن هذه التصريحات التي أحدثت زوبعة من ردود الفعل والانتقادات الملتهبة، وقال في معرض رده:
"إن منتقديه منحازون ويطبقون معايير مزدوجة، ونفى أن تكون تصريحاته معادية للسامية قائلاً أنه كان يذكر حقائق تاريخية، وأنه من غير العدل أن يتعرض المسلمون للانتقادات, بينما لا يمكن للآخرين انتقاد اليهود. من الواضح أنهم يعتقدون أنهم أناس متميزون, ولكننا لا نعتقد ذلك، ولدينا الحق في انتقادهم أيضاً". وأضاف ملمحاً بأن هناك من يتصيد في الماء العكر، وهناك من ينتهز الفرص ليوجه الاتهامات جزافاً، ويعبر عن تحيزه للصهاينة ليحظى برضاهم, ويتخذ الذرائع والحجج لممارسة الضغوط والتهديدات, وربما الاعتداء على بعض الدول:
"من المؤسف أن أحداً لم يلتفت إلى ما قلته عن وقف العمليات الانتحارية والعنف والأعمال الانتقامية في الشرق الأوسط، ولعل ذلك هو ما يمنحهم مبرراً لشن ضربات استباقية". وأكد أن معظم الدول الإسلامية تتفق معه في آرائه, ولكنها غير قادرة على التعبير عن آرائها خشية أن تستهدف.
وهذا يبرهن على ما قامت وتقوم به أمريكا من حروب غير مبررة ضد أفغانستان والعراق، وتهديدات لكل من سوريا وإيران، واتخاذ الإجراءات الظالمة والعدوانية بحقهما، وما ستؤول إليه هذه الإجراءات من فرض عقوبات ظالمة، أقلها الحصار الاقتصادي, وربما الضربات الاحترازية، وربما تحريض الكيان الصهيوني بالتحرش والاعتداء على هذه الدول لإثارة القلاقل وعدم الاستقرار، ليتمكن الكيان الصهيوني من ممارسة عدوانه على الشعب الفلسطيني، وتمرير مخططاته وأهدافه العدوانية والاستيطانية، دون أن يتمكن أحد من وقف انتهاكاته وعدوانه، ووضع حدٍّ للعربدة والطغيان الصهيوني، ليمتد هذا العدوان ويشمل دول أخرى كسوريا ولبنان وإيران، وربما دول أخرى في المنطقة، تحت مباركة ومساندة وتشجيع من أمريكا.
ونحن نقول: أين كان هؤلاء المتعصبون للصهاينة يوم أدلى الجنرال بويكن (نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات والمجهود الحربي) في أول بيان صدر منه حاول فيه شرح التصريحات التي أدلى بها في تجمعات كنسية أخيراً, والتي صور فيها معركة الولايات المتحدة مع الراديكاليين الإسلاميين وكأنها صراع مع الشيطان. وكذلك تحدث أمام عدد من التجمعات المسيحية، قال أمام أحدها أن الإرهابيين يكرهون أمريكا لأنها أمة مسيحية، كما قال أن الله هو الذي اختار جورج بوش ليكون رئيساً للولايات المتحدة، كما قال أن المسلمين يعبدون "وثناً" وليس "إلهاً حقيقياً"...
إنه تهجم عنيف على الإسلام والمسلمين، لا يمكن أن يصدر عن شخص عاقل أو متزن، وإنما من إنسان معتوه وحاقد، قد أعمى الحقد بصيرته، فراح يقول ما لا يفقه، ويتفوه بما لا يدري، فجاءت أقواله تعكس ما يكنه هؤلاء من أحقاد وأضغان للإسلام والمسلمين، واستنكرها حتى بعض العقلاء من قادة الجيش الأمريكي، في حين رفض الشرير رامسفيلد المتصهين إدانته أو حتى توبيخه, وكما طلب منه النائب جون كونيرز اتخاذ إجراء تأديبي ضده، ولكنه على العكس من ذلك أصبغ عليه كيل من الثناء والمديح.
فكيف يسمحون لأنفسهم بالتهجم على الآخرين، في حين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يدلو الآخرون بدلوهم، وفي إطار الحقيقة والواقع, وهذا يعكس تناقضاتهم وأنانيتهم في آن واحد.