[left]
خدعوك ... فقالوا : تغيّر الزمـان !!
بقلم : محمد خليل الحوري .
إن الزمان في واقع الأمر لا يتغير، وإن تغيرت الأوضاع ومجريات الأمور المختلفة فيه، فالزمان لم يتغير قط من عهد أبينا آدم وأمنا حواء (عليهما السلام), ولن يتغير ولن يتبدل الزمان، وسيبقى على ما هو عليه تتوارثه الأجيال كابراً عن كابر، وحتى قيام الساعة التي لا ريب فيها, وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
في الواقع وفي الحقيقة، الناس والبشر هم الذين يتغيرون من حالٍ إلى حال، ومن وضعٍ إلى وضع على مدى الزمان والأيام، وبمختلف الدهور والعصور، وتتغير أحوالهم وطباعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وقد يتنكرون ويجحدون وينقلبون على واقعهم وواقع آبائهم وأجدادهم، ويسلكون طرقاً وسبلاً تختلف عما كان عليه آباؤهم وأجدادهم.
ومن الناس من يتخذ الدين مطية للوصول إلى مآربه وأهدافه، ولكنه عندما تصادفه الصعاب والمعوقات, أو يحل به البلاء، أو يتعرض للمحن, أو تنقطع به السبل, أو يواجه المضايقات والضغوط, أو قد يتعارض الدين مع مصالحه وأطماعه الدنيوية؛ تراه يتنكر لهذا الدين حباً وطمعاً في الدنيا الفانية، فمن طبيعة البشر التفاني في حب الدنيا وبهارجها والتشبث بأذيالها. وكما جاء في أقوال الإمام الحسين (عليه السلام), والتي تعد من مأثورات الأقوال والحِكم والأمثال، والتي يقتدي بها على مر العصور والأجيال، وهي تعكس واقع الناس في كل مكان وزمان:
(الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يدارونه ما دارت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون).
هذه هي طبيعة الناس الذين يبيعون دنياهم بآخرتهم، لا يراعون ذمةً ولا ضميراً تاركين الدين وراء ظهورهم طمعاً في حب الدنيا وزيفها. وهم لا يتعلمون الدروس والعبر، ولا يتّعظون مما حدث لمن قبلهم من الناس الذين نهجوا وساروا على نفس الدرب والطريق. هذا هو شأن كل الطغاة والمستكبرين على مر العصور وعلى مدى التاريخ وحتى تقوم الساعة.
منذ أن استولى معاوية على السلطة وأحكم قبضته على زمام الأمور بعد نقض العهود والمواثيق مع الإمام الحسن (عليه السلام)؛ قال مقولته المشهورة التي تدل على نقضه للعهود واستخفافه بالمواثيق: (إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها).
وعندما أدرك قرب منيته، قام بدس السم للإمام الحسن (عليه السلام), ومن ثم أخذ البيعة لابنه يزيد، من أهل الشام أولاً، ثم من أهل مكة والمدينة، ليضمن بذلك استمرار حكم بني أمية. ومنذ ذلك الحين أصبح نظام الحكم وراثياً, يتوارثه الأبناء عن الآباء. ولا تزال الكثير من الدول تسير على نفس المنوال من توريث الحكم واتباع سياسة الأجداد في تسيير الأمور، والسير على نهجهم وخطاهم. ومع تغيير أنظمة الحكم في العديد من الدول العربية والإسلامية، وتطبيق أنظمة سياسية قد طبقتها دول أخرى في الغرب أو الشرق؛ اتخذت بعض الدول من الدين الإسلامي الحنيف منهجاً وتشريعاً لها في الحكم، وهو ما يعرف بالنظام الإسلامي، وجمعت بعض الدول بين النظام الإسلامي والنهج الديمقراطي في تسيير دفة الحكم.
ونتيجة لما آلت إليه الأمور في الكثير من هذه الدول، فإن قوى الاستكبار العالمى -وعلى رأسها أميركا- أصبحت تتدخل بطريق مباشرة أو غير مباشرة في شؤونها الداخلية، وتفرض عليها الوصايا, وتطالبها بالتغيير الذي يتماشى مع رغباتها وأهوائها، وهو ما تطلق عليه بإصلاح أنظمة الحكم في تلك الدول، وتطالبها بإطلاق الحريات العامة وتطبيق الديمقراطية, ليتسنى لها بسط هيمنتها وسطوتها، ومطالبتها بما هو أكثر من ذلك، وهو التدخل في كل كبيرة وصغيرة، كتغيير المناهج الدراسية، وإلغاء بعض السور القرآنية من تلك المناهج والتي تحض وتدعو إلى الجهاد، وهو ما تدعيه أميركا زوراً وبهتاناً بأنه يحرض على تبني الإرهاب.
فهم يريدون أن يخدعوا الشعوب ويقولوا لها: "لقد تغير الزمان"، في حين أنهم يكذبون ويسعون إلى تغيير العادات والتقاليد، والمبادئ والمعتقدات التي تؤمن بها تلك الشعوب، ويعملون على حرفها وإبعادها عن التمسك بدينها والالتزام بمبادئها ومعتقداتها ضمن مخططاتهم العدوانية لمحاربة الإسلام والمسلمين والقضاء عليهم.
قال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. صدق الله العلي العظيم (التوبة- الجزء العاشر).