[right] بقلم : محمد خليل الحوري
مهما كانت الخلافات الرئيسية ، ومهما كانت الأسباب والمسببات ، ومهما كانت التبريرات والمبررات ، ومهما كانت النوايا والأهداف ومهما فشلت الحوارات والمفاوضات ، ومهما وصلت إليه تلك الخلافات وتصاعدت وتيرتها ، فليس من المقبول منطقيا وعقليا وأخلاقيا وإنسانيا ، أن تصل الأمور إلى المواجهة العسكرية بين الجيش الذي يمتلك الدبابات والمدافع والطائرات وكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ، التي بإمكانها أن تدك وتقصف المدن والقرى وسكانها ، وبين مجموعة وفئة من أبناء الشعب ، ممن لديهم أسلحة خفيفة ومعدات قتالية بدائية متواضعة .
وما حدث في السابق وما يحدث اليوم من حرب إبادة للحوثيين في محافظة صعدة في الجمهورية اليمنية الشقيقة ، وهي الحرب السادسة التي يشنها الجيش اليمني ضد تلك الجماعة – بغض النظر عن إنتماءاتها المذهبية والعقائدية – بإستخدام كافة أنواع الأسلحة الثقيلة بما فيها الطائرات والمدفعية والدبابات ، والتي خلفت سقوط المئات من الضحايا والقتلى ، والآلاف من المشردين والمهجرين الذين لم ينجُ البعض منهم من القصف بالطائرات ، سواء بصورة متعمدة أو عن طريق الخطأ ، فالتبريرات – مهما كانت - لا تعطي البراءة للسلطة من الدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت .
والحوثيون هم جزء لا يتجزأ من الشعب اليمني ، وإن إختلفوا مع الدولة ، أو حتى تمردوا على السلطة – كما يشاع في وسائل الإعلام – الموالية للسلطة ، فلا يجوز بآي حال من الأحوال محاربتهم عسكريا ، فبحق المواطنة ، وبحق الدم والإنتماء لهذا الوطن ، وبحق حقن دماء المسلمين ، وحرمة إقتتال الإخوة وأبناء الوطن الواحد ، ولكن لم تراعى حرمة أو ذمة حتى في شهر رمضان الفضيل ، فلم يتوقف أزيز الطائرات الحربية ، ودوي المدافع والدبابات ، وهي تدك مواقع الإخوة الأعداء ، وتروّع الآمنيين من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، ويتم تشريد الآلاف منهم في الفيافي والقفار ، وهم هائمون على وجوههم ، لا يدرون أين يحط بهم الرحال ، وماذا ينتظرهم من وضع مأساوي مجهول ، ولا يعلمون ماذا سيكون مصيرهم ، أو إلى أين ستكون نهايتهم المحتومة .
والتاريخ حافل بالقضايا والأحداث المروعة ، ويتحدث عن سيرة الكثير من القادة والزعماء الذين إنتباتهم حالات نفسية ، وهم في أوج سلطانهم وتسلطهم ، فأصيبوا بغرور العظمة ، وتخيلوا أنفسهم بأنهم آلهة أو عظماء جبابرة ، كهامان وفرعون وغيرهم ، ومن جاءوا بعدهم عبر التاريخ ، فشنوا الحروب وقهروا الشعوب وأبادوا الحرث والنسل ، وأحرقوا الأخضر واليابس ، فلم تخلدهم الأمم والشعوب ، ولم يذكرهم التاريخ والزمان بخير ، فكان مصيرهم المحتوم هو – بلا شك ولا ريب - إلى مزبلة التاريخ .
وفي الوقت الذي تعصف التهديدات والأخطار بالأمة ، ويعيث العدو الصهيوني فسادا وسفكا وقتلا وتشريدا لأبناء فلسطين المحتلة ، وتهويدا وطمسا للهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف ، ومواصلة الهدم والحفر تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك ، بحجة البحث عن هيكل سليمان ، أصبح المسجد الأقصى المبارك مهددا بالسقوط والإنهيار ، وهذا هو ما يرمي إليه هذا العدو الصهيوني المتغطرس ، لشرعنة وجوده ومواصلة إحتلاله ، وطمس الهوية العربية والإسلامية ، لمحو المعالم والآثار الإسلامية والتاريخية ، التي تقف شاهدا حيا على بطلان وزيف وكذب إدعاءاته المزعومة .
وفي حين نرى الصمت المقيت يخيم على الجهات الرسمية في العالم العربي والإسلامي ، بل هناك من يهروّل ويحرق المراحل من أجل التطبيع مع هذا الكيان الغاصب للقدس الشريف ، ويتناسى ما إرتكبه ويرتكبه من ممارسات إرهابية وقمعية ، وجرائم وحشية وبربرية ضد الإنسانية ، يندى لها جبين البشرية جمعاء ، بل تمادى البعض في غيّه وجهله ، وطلب بصورة خادشة للحياء ، من هذا العدو الغاشم ، القضاء - قضاءا مبرما - على جيوب المقاومة الباسلة في جنوب لبنان وفي غزة ، وأخيرا رفض حتى محاسبة هذا العدو الإرهابي ، على جرائمه الوحشية ضد الإنسانية في محرقة غزة ، وحاول التستر عليه ، ليفلت من العقاب المحتوم والقصاص العادل ، وهو ما يدور اليوم من جدل ساخن حول سحب أو تأجيل مناقشة ( تقرير ريتشارد جولدستون ) في مجلس الأمن ، القاضي بمحاكمة الزعماء الصهاينة على ما إرتكبوه من مجازر ومذابح وحشية في محرقة غزة المحاصرة المروّعة .
وهناك من يتوهم ويتخيل بأن الطريق لتحرير فلسطين والقدس الشريف يمر عبر صعدة ، كما توهم سابقا حامي البوابة الشرقية للوطن العربي ، وهو في أوج عظمته وإصابته بداء الغرور ، بأن الطريق إلى القدس الشريف يمر عبر طهران ، فشن حربا ضروسا إستمرت على مدى ثمانية أعوام عجاف ، وسقط الملايين من الشهداء والأبرياء ، ودُمرت البنى التحتية والأساسية ، وسفكت الدماء الطاهرة ، وأزهقت الأرواح البريئة ، ونجمت عن خسائر بشرية ومالية جسيمة في كلا البلدين ، بينما رقص فرحا وطربا العدو الصهيوني الغاصب ، وظل جاثما على صدر هذه الأمة ، متماديا في وحشيته وبربريته ، ليبطش ويفتك ويسفك الدماء في فلسطين المحتلة .