بقلم: محمد خليل الحوري
عشر سنوات مضت على إصدار قانون في بلجيكا ( العظمى ) يجيز للمحاكم البلجيكية النظر في جرائم الحرب، وجرائم ترتكب ضد الإنسانية، أو جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب أو ارتكبت في أية دولة في العالم.
ولقد رفعت إلى محاكم تلك الدولة أكثر من ثلاثين شكوى، ضد قادة وزعماء أجانب، وعلى رأسهم شارون رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ومنذ أكثر من عدة شهور رفعت شكاوى جديدة ضد كل من الرئيس الأميركي بوش، ورئيس الوزراء البريطاني بلير، لتورطهما بشن حرب ظالمة على العراق، وخارج الشرعية الدولية ، حيث وقعت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وسقط الآلاف من الأبرياء من أبناء الشعب العراقي قتلى وجرحى، بسبب هذه الحرب المجنونة والمدمرة.
وهذا القانون أحرج الكيان الصهيوني وأثار غضبه، لرفع الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا دعوة قضائية ضد السفاح شارون، الذي يصفه بوش برجل السلام، ويتعرض بوش بنفسه لنفس المصير، مما أثار حنقه وأجج غضبه ، فهدد وتوعد بلجيكا بأنه سينقل مقر حلف شمال الأطلسي الموجود في بروكسيل منذ العام 1967 م إلى دولة أخرى عضوة في الحلف.
ولذا اضطرت بلجيكا إلى إعلانها وعلى لسان رئيس وزراءها فرهوفشتات، بأن هذا القانون لا يطبق بصورة منطقية، ووافقه رؤساء الأحزاب الذين يشكلون حكومة الائتلاف الجديدة، ولهذا تنصلت بلجيكا من التزاماتها الأدبية والأخلاقية، وأعادت صياغة القانون بصورة أخرى، ومحورته ليتناسب مع القوانين المعمول بها في كل من فرنسا وبريطانيا وأسبانيا، كما صرح بذلك رئيس وزرائها، وسيكون على النحو التالي:
إمكانية تطبيق القانون، إذا كان المتهم بلجيكيا أو مقيما في بلجيكا، وإذا كان الضحية بلجيكيا أو كان يقيم في بلجيكا قبل ثلاث سنوات من وقوع الجريمة على الأقل، أو إذا كان المتهم من رعايا دولة لا تحرم تلك الجرائم أو لا يضمن محاكمة عادلة في دولته.
لقد تم التصويت على هذا القانون المحّور والمعدّل في البرلمان البلجيكي وتمت الموافقة عليه وهو جاهزا للتطبيق الآن. وكما يقال (عش رجبا ترى عجبا) فلقد أصبحت الإمبراطورية الأميركية العظمى تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وحتى في الشئون الداخلية للدول، ولم يتبقى لها إلاّ أن تحشر نفسها في صياغة قوانينها، كما تتدخل وتطلب من الدول الأخرى تغيير مناهجها الدراسية، وسياساتها الداخلية والخارجية، إلى درجة إنها طلبت من بعض الدول الإسلامية، إعادة النظر في تفسير وطرح خمسة عشرة آية قرآنية، لأنها تدعو وتحض على الجهاد وهو ما تسميه أمريكا بالعنف والإرهاب، وهذا الطرح هو أقسى ما تتعرض له الدول العربية والإسلامية، وعليهم أن يعـوا فداحة الأخطار المحدقة بهم، ويتلاحموا ويتحدوا لتفويت الفرصة على هؤلاء الأعداء المتربصون بهم.
ومؤخرا لم يتم طرح مناقشة موضوع الحكم الصادر من قبل محكمة العدل الدولية في لاهاي حول جدار الفصل العنصري على مجلس الأمن، لإضاعة الفرصة على أميـركا وحرمانها من استخدام حـق النقض – الفيتـو، كما اعتادت أن تفعل كل مرة، لحماية الكيان الصهيوني من عقوبات الأمم المتحدة، والالتزام في تطبيق القرارات والقوانين الدولية.
ولقد تمت مناقشته في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، فلم تتمكن أميركا هذه المرة الاحتجاج ورفض الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري، ومطالبتها الكيان الصهيوني بتفكيك ذلك الجدار الذي يسلب الحقوق الفلسطينية ويستولي على المزيد من الأراضي الفلسطينية، ويجعل من الأراضي المتبقية سجنا يحاصر سكانها ويحرمهم من حرية التنقل والحركة، ويفرض عليهم طوقا وحصارا خانقا، كما طالبت المحكمة بتعويضهم عن الخسائر الناجمة عن بناء ذلك الجدار الفاصل الذي جرفت بسببه الأراضي الزراعية وهدمت البيوت والمنشآت والمحال التجارية، وتم تهجير وإبعاد سكانها عن مناطقهم، مما سبب في مضاعفة معاناتهم وصعوبة تنقلاتهم.
وصوتت الجمعية العمومية بالأغلبية على مساندة حكم المحكمة الدولية، ومطالبة الكيان الصهيوني بالالتزام بقرار تلك المحكمة، وتنفيذ ما جاء في أحكامه، ولكن الكيان الصهيوني لا يزال يرفض الانصياع لأوامر المحكمة ورغبة الجمعية العمومية، ويصر على مواصلة بناء الفصل العنصري، لكونه مسنودا من أميركا الخارجة على الشرعية الدولية، والمتحيزة والمنحازة بشكل سافر لذلك الكيان الغاصب.