بقلم : محمد خليل الحوري
خطاب فخامة الرئيس الأميركي أوباما التاريخي في جامعة القاهرة ، المليء بالعواطف الجياشة ، والكلمات المفعمة بالتمنيات التي تدغدغ العواطف ، وتبعث الحماس لدى من يتأثر بالمديح والثناء ، ولقد حوى ما حوى من مدح وإطراء ، وسرد تاريخي لوقائع وأحداث مرت ، وجعل من نفسه خبيرا في مجال الديانات السماوية ، ونابغة في علم الفلسفة والإجتماع وعلم النفس والتاريخ ، ولم يخلوا خطابه من تناقض واضح ومغالطات صريحة ، تنم عن تحيز تام وحذر شديد من التعرض أو إنتقاد الجانب الصهيوني .
حيث حذر الفلسطينيين من إستخدام العنف ، وهو يقصد مقاومة الإحتلال المشروعة ، وتجاهل كل ما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة وقمع وتهجير، وإستخدام القوة المفرطة على مدى ستين عاما ، وآخرها وليس أخرها محرقة غزة التي فاقت محرقة الهولوكوست التي يتبجحون بها ، وهو لم يلمح بهذا العدوان الغاشم لا من قريب ولا من بعيد ، في حين سرد سردا تاريخيا ، لما تعرض له اليهود من قمع وإضطهاد وإبادة ، فكانوا ضحايا محرقة الهولوكست المزعومة ، وغرف الغاز في عهد هتلر والنازية الألمانية .
ولم يجرأ ذكر أو التطرق لما قامت به بريطانيا العظمى وحلفاؤها من تقديم فلسطين - ككبش فداء – لليهود بإقامة وطن قومي لهم ، مكافأة وتعويضا لهم لما تعرضوا له من ظلم وإبادة على مدى التاريخ ، وبذلك عرضوا فلسطين وأهلها للمعاناة المريرة والقاسية ، وتحمل تبعات أبشع جريمة في تاريخ البشرية ، وأرغموهم لدفع الثمن باهضا ، لقضية لم يكونوا طرفا فيها ، وليس لهم فيها ناقة ولا جملا .
وكل ما وعد به سيادة الرئيس هو العمل على عودة مفاوضات السلام المتعثرة مع العدو الصهيوني ، مع التأكيد على إقامة دولة للفلسطينيين بجانب الدويلة العبرية ، والتي لم يحدد نوعية هذه الدولة الموعودة ولا معالمها ، ولم يحدد مساحة الأرض التي ستقام عليها ، وتجاهل ذكر عاصمة هذه الدولة ، التي يطالب بها الفلسطينيون ، وهي القدس الشريف ، ولم يأتي على ذكر عودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ، في حين فضح المتطرف الصهيوني - نتنياهو وحاشيته الإرهابية ، وعلى رأسهم وزير خارجيته المتوحش ليبرمان - وأعلنوا عن رفضهم لكل هذه المطالب جملة وتفصيلا .
ما عدا موافقتهم على مضض ، السماح بإقامة دولة منزوعة السلاح ، وليس لها أية سيادة أو شرعية قانونية ، وستكون تابعة للكيان الصهيوني ، والحل والربط سيكون بيد الزعماء الصهاينة ، مع التشديد على يهودية الدولة الصهيونية ، ليتسنى لهم تبرير طرد وتهجير ما تبقى في الداخل من فلسطينيي 48 وهدم منازلهم ، وعدم السماح بعودة اللاجئين من الشتات ، ورفض التنازل عن آي جزء من القدس الشريف ، لكونها العاصمة الأبدية لدويلتهم اللقيطة ، كما يزعمون وبه يصرحون .
فهل يستطيع سيادة الرئيس أوباما ، عمل المستحيل للضغط على القادة الصهاينة المتطرفين ، وهو ما يعد من رابع المستحيلات والخطوط الحمراء ، التي لا يحق لكائن من كان أن يقترب منها ، وحتى أصحاب الفخامة الرؤوساء الأميركان ، المتعاقبون على سدة الحكم ، وإنما القرار الأول والأخير ، هو بيد الزعماء الصهاينة المتطرفين في تل أبيب ، واللوبي الصهيوني ومنظماته المتطرفة في أميركا ، وفي بقية الدول الأوروبية الإستعمارية .
ولقد ذكر فخامة الرئيس أوباما في خطابه التاريخي ، المبادرة العربية وقال بأنها قابلة للنقاش ، وتطالب تلك المبادرة بإنسحاب الإحتلال الصهيوني من الأراضي التي إحتلها في حرب 67 ، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ، ولكنه على ما يبدو يسير وفق مخططا معدا مسبقا - فلقد أرسل في الوقت نفسه - مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل ، من أجل فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني أولا ، ومن ثم إجراء مفاوضات السلام ، لتسهيـل وتمرير تلك العملية المزعومة ، لتسير حسب الرغبات والمخططات الصهيونية ، ووفق المخطط الموضوع والمعد سلفا .
ونحن هنا ليس بصدد البحث ونقاش خطاب فخامة الرئيس ، والخوض في تفاصيله ، ولكن لمجرد التذكير ببعض التفاصيل التي مرت به ، أو جاءت في ذلك الخطاب الموجه للعرب والمسلمين من جامعة القاهرة العريقة ، وما له من مدلولات ودلالات إستراتيجية وأهداف ونوايا ومعطيات سياسية ، تصب بالطبع في صالح ومصالح الكيان الصهيوني .
وفخامة الرئيس أوباما منذ بداية عهده ، والذي صادف وقوع العدوان الصهيوني على غزة ، لزم الصمت ، ولم يدل بدلوه حول همجية ووحشية العدوان ، بحجة إنه لم يتسلم السلطة وزمام الحكم في تلك الفترة ، وهو ما يجانب الحقيقة والواقع ، ولكنه آثر الصمت ليجنب نفسه من تبعات ذلك ، أو التعرض لغضب اللوبي الصهيوني .
والقرار النهائي في حل قضية الشرق الأوسط وكل ما يتعلق بها ، من قضايا وأمور كبيرة ، تمس الكيان الصهيوني ومصالحه ، وإضفاء الشرعية لتكريس إحتلاله وممارساته القمعية ، هي ليست بيد فخامة الرئيس أوباما ، فهو لايملك الخيار في الوقوف على الحياد و فرض الحلول العادلة ، أو محاولة الضغط على ذلك الكيان الغاصب في سبيل إيجاد المخرج لها ، فالإدارات الأميركية المتعاقبة لا يمكنها أن ترفض أو تعارض رغبات ومخططات الكيان الصهيوني ، وهي ترضخ وتنفذ كل ما يطلب منها ، من قبل اللوبي الصهيوبي ومؤسساته العتيدة ، وكل شأن أو أمر يرفضة القادة والزعماء الصهاينة ، يكون خارج عن يد وإرادة فخامة الرئيس ، وكل رجال إدارته في البيت الأبيض أو في الكونجرس والبنتاجون ، وغيرها من مؤسسات إدراته الرسمية .