السؤال السابع:
كيف تنظرون الى الثقل السياسي والديني والاجتماعي الذي يمثله التيار الصدري على صعيد ساحة الاحداث والوقائع السياسية والاجتماعية؟.
الجواب:
يعد التيار الصدري احد اهم اعمدة العملية السياسية الجارية اليوم في العراق.
انه يترك بصماته واضحة عند كل منعطف منها.
لقد ورث هذا التيار من مؤسسه الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ارثا جهاديا ضخما عمده الشهيد بدمه الطاهر ودم ولديه الشهيدين، والتيار، كما نعرف، هو آخر تيار جهادي كان قد تاسس في ظل النظام الشمولي الديكتاتوري البائد، ولطهارة التيار وصدق نوايا المؤسس، وضخامة القاعدة التي بناها، لا زال هذا التيار يمتلك زخما كبيرا واندفاعا قل نظيره، بالرغم من كل الضربات الموجعة التي تلقاها من العدو والصديق والـ……حليف.
ومن اجل تحسين اداء التيار اعتقد انه بحاجة الى ترشيد على اربعة مستويات:
الاول، هو المستوى الفكري والثقافي.
الثاني، هو المستوى السياسي والقيادي.
الثالث، هو المستوى الديني والمرجعي.
والرابع والاخير، هو المستوى التنظيمي.
على المستوى الاول، اعتقد بان التيار بحاجة ماسة الى ان يبذل جهدا اضافيا من اجل الارتفاع بالمستوى الثقافي والفكري لابنائه، وخيرا فعل السيد مقتدى الصدر عندما اعلن العام الماضي عن البدء بحملة تثقيفية واسعة للتيار للنهوض بالمستوى الفكري له.
ان من المهم جدا ان ينهض التيار بمستوى الوعي الديني لابنائه ومريديه وانصاره، على اعتباره تيار ديني بالدرجة الاولى.
اما على المستوى السياسي والقيادي، فان التيار بحاجة ماسة الى ترشيد وعيه السياسي للتقليل من التناقضات والاخطاء السياسية التي يقع بها ويتورط فيها بين الفينة والاخرى.
فبالرغم من ان السيد مقتدى الصدر بذل جهدا كبيرا من اجل بلورة قيادة سياسية واضحة المعالم، عندما اعلن عن تشكيل المجلس السياسي قبل حوالي العامين، الا ان ذلك لم يحل تناقضات التيار على المستويين القيادي والسياسي، وكلنا نعرف فان العراق يمر الان بمرحلة سياسية هامة وخطيرة تتطلب من المتصدين للعملية السياسية، ومنهم التيار الصدري، الكثير جدا من الوعي السياسي ووحدة المواقف السياسية، لذلك اعتقد ان من الضروري جدا للتيار ان يهتم اكثر فاكثر بهذا الموضوع لحساسيته وخطورته، اذ لا يعقل ان يظل التيار يتناقض مع نفسه في المواقف، واحيانا يتقاطع حتى مع مواقف السيد الصدر نفسه.
هنا، اعتقد ان من المفيد جدا ان تتخذ القيادة السياسية في التيار بعض الفاصلة بينها وبين السيد مقتدى الصدر، حتى لا تضطره لان يزج نفسه في كل خطوة سياسية تخطوها قيادة التيار، فاتخاذ مسافة معقولة بين الصدر والقيادة السياسية يعود بالنفع على الطرفين، خاصة وان السيد الصدر اعلن العام الماضي عزمه على التوجه للدرس والبحث الحوزوي.
ان ابتعاد القيادة السياسية عنه، يمكنها اكثر فاكثر من ان يكون قرارها بالشورى، فترفع بذلك الحرج عنه، فالصدر، بالنتيجة، زعامة دينية ليس من مصلحته ولا من مصلحة التيار ان يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وليبق كالاب الروحي للتيار، يتدخل في الاستراتيجيات، وعند الضرورات القصوى.
ولا ننسى ان ذلك امر ضروري، كذلك، في ظل الظروف الامنية التي يمر بها السيد الصدر.
على المستوى الثالث، ارى لو ان التيار يعيد النظر في ولائاته المرجعية، فيتخذ من الشيخ اليعقوبي مثلا، مرجعا دينيا له، فهو من اقرب المراجع الى التيار وتوجهاته، وهو، كما نعرف ولد من رحم التيار، كما انه كان من اقرب مساعدي السيد الشهيد، كما ان اليعقوبي المعروف بالحكمة والوعي الديني والسياسي والخطاب التنويري، يمكن ان يساعد على توحيد اجنحة التيار، ما يكسبه قوة الى قوته الحالية.
كما ان انفتاح المرجع اليعقوبي على الزعامات السياسية العراقية والعربية والعالمية، التي تحرص على الاجتماع به والاصغاء اليه كلما زارت مدينة النجف الاشرف، يمكن ان يساعد التيار على الاندماج بواقعية اكبر مع الساحة السياسية.
اما على المستوى الرابع والاخير، فاعتقد ان على التيار ان يغربل صفوفه بين الفينة والاخرى حتى لا يبتلى بالعناصر المتسللة التي شكى منها السيد مقتدى الصدر اكثر من مرة.
لقد سالني مجموعة من الاخوة والاخوات في الكتلة الصدرية في مجلس النواب عندما اجتمعت بهم العام الماضي في العاصمة بغداد خلال زيارتي للعراق، عما يمكن ان اقترحه عليهم لتحسين اداء التيار، فقلت لهم، انني اقترح عليكم ان تبادروا الى الاعلان عن تاسيس حزب سياسي واضح الاهداف والمعالم، والقيادة السياسية، لتحلوا اشكالية التناقضات في المواقف والتردد والتذبذب في الاراء، فالعمل السياسي، كما هو معروف، لا يتحمل التناقضات والتردد والتذبذب في المواقف، خاصة في حالة العراق اليوم الذي لا زال يعاني من مخلفات آثار النظام الشمولي البائد من جانب، وآثار الاحتلال من جانب ثان، وآثار العنف والارهاب من جانب ثالث.
ان تحول التيار الصدري الى حزب سايسي، يصنع منه اتجاها سياسيا واضح المعالم، ويبعده عن الغموض ويجنبه التناقض، ويحول دون تحوله الى جسر يعبر عليه كل من ينوي الصعود على اكتافه او اراد تحقيق اهداف ما.
كما ان ذلك يساعد التيار على ان يمسك بخيوطه وقراره، فلا يخترق بعناصر مشبوهة او يتدخل في شؤونه كل من هب ودب.
كما ان ذلك يعلمه فن العمل الديبلوماسي، في اطار العمل السياسي، فيترك رويدا رويدا العنف والتشنج في المواقف، والتي لا يتحملها الوضع العراقي كثيرا، خاصة منذ الان فصاعدا، بعد ان بدات استحقاقات جديدة تنتظر العملية السياسية.
لقد خسر التيار الكثير من شعبيته وقواعده، وهذا ما اشارت اليه نتائج الانتخابات الاخيرة، لاسباب كثيرة، لسنا بصدد سردها وتعدادها، الا ان الذي يهمني في الامر هو ان يكون ذلك سبب ودافع للتيار من اجل ان يعيد النظر في خططه وحساباته ووسائله ورموزه وتحالفاته، وفي كل شئ، ليحول الخسارة الى ربح، والهزيمة الى نصر.
السؤال الثامن:
كيف تقيم واقع الاعلام العراقي لمرحلة ما بعد عام 2003، عام التغيير؟.
الجواب:
لا يختلف اثنان على ان الاعلام العراقي شهد قفزة نوعية كبيرة الى الامام منذ سقوط الصنم ولحد الان.
ففي العراق اليوم اعلام حر الى درجة كبيرة، وهناك اليوم مساحة واسعة لحرية التعبير، كما ان هناك اليوم تنوع في وسائل الاعلام ان على صعيد المصدر والتملك او على صعيد النوعية، فهناك اليوم محطات فضائية متنوعة وهناك عدد كبير جدا من المحطات الاذاعية الى جانب هذا الكم الكبير من الصحف والمجلات.
لقد امسك المواطن العراق اليوم بخياره، فلم يعد النظام الحاكم يجبره على مشاهدة محطة تلفزيونية معينة، او يقرا عمودا بعينه، او يطالع تحقيقا صحفيا بذاته، بل ان المواطن اليوم هو الذي يختار لنفسه المحطة التي يرغب في متابعتها او الاذاعة التي يحب او يثق باخبارها، كما انه يختار الصحيفة التي يشاء، والمجلة التي يريد والدراسة التي يحتاج، وكل هذا تسبب في ثلاثة امور:
اولا: اطلق ارادة المواطن في الاختيار، وبالتالي حقق مبدا حرية الاختيار.
ثانيا: اطلق مبدا التنافس الايجابي بين المصادر الاعلامية، ما يساهم في تنمية الطاقات وتحسين الاداء.
ثالثا: اطلق مبدا الرقابة والمحاسبة التي يجب ان يضطلع به الاعلام في اي بلد ديمقراطي، ليتحول شيئا فشيئا الى سلطة اولى وليس رابعة كما يسميه البعض.
الى جانب كل ذلك، فانا اعتقد بان الاعلام في العراق الجديد بحاجة الى ما يلي:
اولا: دعم كبير من الدولة العراقية، ليتمكن من النهوض بمسؤولياته، وواجباته.
ثانيا: ترشيد اكثر فاكثر ان على صعيد الرسالة الاعلامية او على صعيد الاداء والمادة والاسلوب والجوانب الفنية، وكل ذلك يمكن انجازه من خلال الدورات التاهيلية وورش العمل وغير ذلك.
ثالثا: الاسراع في اصدار القانون المتعلق بالاعلام والاعلاميين، من اجل حماية هذه السلطة المهمة والخطيرة في آن.
رابعا: التواصل مع المؤسسات الاعلامية العالمية، خاصة الناجحة التي تمتلك تراكما في الخبرة والتجربة، من اجل التواصل مع احدث وسائل الاعلام ولغاتها المهنية وادواتها ومهاراتها، ليواكب الاعلام العراقي الاعلام العالمي بشكل مستمر ودائم.
على صعيد الاداء، فان الاعلام العراقي بحاجة الى ما يلي:
اولا: ان ينتقل من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، فبدلا من ان يلاحق الاعلام العراقي الاعلام المعادي ليرد عليه او ان يدافع عن نفسه، عليه ان يستعد لمرحلة الهجوم ليجبر الاعلام المعادي على ملاحقته، والدفاع عن نفسه، بعد ان يكون قد وضعه في قفص الاتهام.
ثانيا: ان يقلب الاعلام العراقي هرم الرسالة الاعلامية فبدلا من ان يبدا من المسؤول الى المواطن العادي يجب عليه ان يبدا من المواطن العادي لينتهي بالمسؤول، وهذه فلسفة اعلامية اتمنى ان تسعفني الفرصة لشرحها اكثر وبلورتها بصورة افضل، لننهض بالاعلام العراقي الى مصاف الاعلام العالمي.
ثالثا: ان يبادر الاعلاميون العراقيون الى تشكيل شبكة من الاعلاميين في داخل العراق وخارجه، لضمان حرية تسرب المعلومة (الخطيرة) التي لا يستطيع الاعلامي في الداخل تداولها لاسباب امنية، ليتم التعامل معها من قبل الاعلاميين العراقيين في الخارج، وبذلك سنطور من اداء الاعلام العراقي على صعيد الرقابة من خلال ملاحقة المعلومة (الخطيرة) وتاليا ملاحقة المسؤول المتورط بها، وهو اهم مفصل في رسالة الاعلام على الاطلاق.
السؤال التاسع:
ما هي المشاريع التي يمكن ان تعمل عليها لخدمة العراق في المجال الثقافي والاعلامي؟ وهل لديك خطط بهذا الشان؟.
الجواب:
شخصيا، انا اعتقد واؤمن بان العراق الجديد بحاجة اولا الى اعادة صياغة الانسان العراقي وشخصيته التي دمرتها سياسات النظام الشمولي البائد.
لذلك فانا اولي الثقافة اهمية كبرى في كتاباتي وابحاثي، وفي مشاريعي الانية والمستقبلية، فلقد كتبت كثيرا في الثقافة كان آخرها سلسلة (حتى يغيروا) ذائعة الصيت التي لقيت اهتماما واسعا وكبيرا من العراقيين، والحمد لله، والتي صدر منها حتى الان (14) حلقة، على امل ان استمر بها بعدد آخر من الحقات.
املي ان يوفقني الله تعالى في ان ابني مشروعا ثقافيا واعلاميا يساهم في اعادة صياغة الشخصية العراقية، فان ذلك، برايي، هو حجر الزاوية في التغيير الجذري المرتقب الذي نامل ان يشهده العراق.
وعندما نتحدث عن اعادة بناء الشخصية، فلا يعني ان ذلك يقتصر على المواطن العادي، ابدا، بل انه يشمل كل العراقيين، واولهم الزعماء والقادة والمسؤولين، فهؤلاء مشمولون بالمشروع، ولا يمكن استثناءهم، فهم، في بعض الاحيان، لب المشكلة واس الازمة الثقافية والاخلاقية التي يعيشها العراق، والا بالله عليكم، ماذا تفسرون تورط مسؤول من التيار الديني في قضايا فساد مالي واداري، وهو الذي قضى عمره يستمع الى المنبر الحسيني ويحضر حلقات الدرس التي يكرر فيها المتحدث آيات القران الكريم واحاديث رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام، ويحضر حلقات احزاب دينية عمرها عقودا من الزمن؟.
لقد سالت احد هذه النماذج مرة عن سبب تورطه بالسرقة من المال العام، وما اذا كان ذلك مشروعا، ومبررا من الناحية الثقافية التي يحملها في شخصيته؟ فاجابني مبررا سرقته، وياليته لم يجبني، بانه لا يسرق لنفسه وانما للحزب الذي ينتمي اليه.
وزير آخر من هذا النموذج، سالته عن علة تورط جماعته باللصوصية والفساد والسرقة، فاجابني بقوله (كما تعرف يا حاج فان السرقات منتشرة حتى في الولايات المتحدة الاميركية) فاجبته، نعم، ولكن في الولايات المتحدة الاميركية يسرقون بانصاف، اما انتم فتسرقون بلا انصاف، ثم، اضفت، اين الله والدين وثقافتك الحزبية وانت تنتمي الى حزب ديني؟.
الا تحتاج مثل هذه النماذج الى اعادة صياغة الشخصية المملوءة بالتناقض والنفاق وعدم ادراك المسؤولية؟.
بكلمة مختصرة اقول، ان العراق الجديد بحاجة الى نهضة ثقافية شاملة، لاعادة صياغة شخصية الانسان العراقي، لا تقتصر على المواطن العادي، فحسب، وانما تشمل الزعماء والقادة والمسؤولين كذلك، للحد من ظواهر الفساد المالي والاداري، ولنامن على مستقبل البلاد ومستقبل ابنائنا، بعد ان نطمئن من اننا سلمنا الامانة الى ايادي امينة، ترعى فينا الا وفي الوطن ذمة وفي المال العام ضميرا حيا.
السؤال العاشر:
هل انت متفائل ام متشائم بمستقبل العراق؟.
الجواب:
منذ ان وعيت الحياة وانا اعيش التفاؤل، ولولا ذلك لما ناضلت ضد الديكتاتورية قرابة اربعين عاما لاشهد اليوم مع بقية العراقيين سقوط الصنم وبتلك الطريقة المدوية، بل لما شهدنا جثة الطاغوت وهي تتدلى من على حبل المشنقة.
ان الانسان يعيش بالامل وبالتفاؤل، هكذا علمنا الاسلام، وهكذا علمتنا سيرة ائمة اهل البيت عليهم السلام، فلقد كانت السيدة العقيلة زينب الكبرى متفائلة حتى في احلك الظروف التي مرت بها، وهي اسيرة واقفة في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية لعنه الله واخزاه، عندما خطبت بتفاؤل وامل كبيرين ححقهما لها رب العزة والجلال، وهي تقول مخاطبة الطاغية الذي ظن انه انتصر على الحسين السبط عليه السلام عندما قتله في كربلاء في عاشوراء وسبى عياله{فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا} ومن الواضح جدا فان مثل هذا الكلام لا يقوله الا متفائل ينظر الى المستقبل بعين ايجابية مفعمة بالامل.
وان تفاؤلي هذا لا ابنيه على وهم ابدا، وانما على اسس حقيقية، اولها حضور الانسان العراقي في ساحة المواجهة والعمل والبناء، فلقد نفض العراقيون عن انفسهم غبار الياس والقنوط ليتواجدوا في الساحة بشكل قوي، ما يضيع الفرصة على كل من يسعى لاستغفالهم من جديد لاعادة عقارب الزمن الى الوراء.
ان حضور الشعب العراقي في ساحات الشان العام، هو الضمان الاول والاكبر في حماية منجزاته التي رواها بالدم، ولقد راينا كيف ان الناخب العراقي عاقب في الانتخابات الاخيرة كل من اساء اليه، وما تغيير كل المحافظين واسقاطهم عن عروشهم الا دليل بسيط على ما اقول.
ختاما:
اود ان اتقدم بجزيل الشكر والتقدير للكادر العامل في صحيفتي (الدعوة) و (العهد) واخص بالذكر الاخ العزيز (قاسم الرديني) الذي اتاح لي هذه الفرصة لاتحدث من خلالها الى القراء الكرام، تواصلا معهم في مناقشة الافكار والاراء.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
2 مايس 2009