[right] على كل حال، فالقضية ليس بالامر الهين، وان امام العراقين مشوار طويل من تحدي الارادات بينهم وبين الاميركان، الا انني اعتقد بان على العراقيين اعتماد ما يلي لتحقيق المكاسب الوطنية المنتظره من الاتفاقية:
اولا: اعتماد مبدا الندية في التعامل مع الاميركان، طبعا من دون ان يعني ذلك الصدام معهم، لان ذلك يسبب خسائر اكثر من الارباح، وقديما قيل (ان السياسة هي فن الممكن) وان (السياسة هي حرب بادوات مختلفة).
ثانيا: الاهتمام بكل بنود الاتفاقية وليس بالجوانب الامنية والعسكرية فقط، فهي اتفاقية استراتيجية وليست امنية كما يحاول الاعلام المعادي تسميتها للتقليل من شانها او لتخويف العراقيين من عواقبها.
لقد وقع آل سعود قبل سبعين عاما اتفاقا امنيا بكل معنى الكلمة مع الولايات المتحدة الاميركية اسميه انا باتفاقية (النفط مقابل امن العائلة الحاكمة) الا ان الماكينة الاعلامية السعودية نجحت في تسويقه كاتفاق استراتيجي بين البلدين، فلماذا نسمح، نحن العراقيون، للاعلام المعادي او ننجر وراءه للتقليل من اهمية هذه الاتفاقية، وهي استراتيجية بكل معنى الكلمة، وان الامن جزء منها؟.
ثالثا: توحيد الموقف الوطني منها، لنتمكن من استدرار المصالح من بنودها باقصى طاقة، من جانب، ولننجح في جولات المفاوضات المستمرة بشانها، والتي لم تنته عندما وقع عليها الطرفان كما يتصور البعض خطأ.
ان من الخطا الكبير، بل من الجريمة بمكان، ان تتحول قضية الاتفاقية الى مادة للدعاية او للتنابز او للخلاف بين العراقيين، او ان تتحول الى مادة لحروب الدعايات الانتخابية او للابتزاز، فان كل ذلك يضعف موقف المفاوض العراقي امام زميله الاميركي.
بكلمة اقول، ان الاتفاقية يمكن ان تكون وسيلة من وسائل تنمية العراق، واعادة بنائه والنهوض به على مختلف الاصعدة، كما يمكن ان تكون سببا مباشرا لبيعه الى الاميركان، والامر يعود في نهاية المطاف الى العراقيين انفسهم، وكيف سيتعاملون معها.
السؤال الرابع:
الهجمة الشرسة ضد الشيعة في العالم، والعربي على وجه الخصوص، هل تمثل عداءا مذهبيا ام صراعا سياسيا بين بلدان معينة؟.
الجواب:
الاثنان معا.
لقد نجح النظام السياسي العربي (وهو سني بانتمائه) في توظيف فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين، وعلى راسهم الشيخ يوسف القرضاوي، وجوقة فقهاء التكفير القابعين في المملكة العربية السعودية، وتجييشهم خلف صراعاته السياسية، وانني لن اكشف سرا اذا قلت بان جوهر الصراع الحالي في المنطقة هو بين (نظام سياسي سني تمثله المملكة العربية السعودية) تدور في فلكه دول مثل مصر والاردن، و(نظام سياسي شيعي تمثله ايران) وتتحالف معه دول وقوى سياسية قد تختلف معها في الانتماء المذهبي، الا انها حسبت في دائرة هذا الصراع، على النقيض من انتمائها (المذهبي) ولذلك راينا مثلا كيف ان حلفاء ايران من القوى الفلسطينية السنية (حماس) اتهمت في شعارات انصار (فتح) بالتشيع (السياسي طبعا) من خلال الهجوم عليها ونعتها بقولهم (رافضة رافضة) والا بالله عليك ما دخل هذا المصطلح بالصراع السياسي بين (فتح) و(حماس)؟.
ان خطا تاريخيا عظيما يرتكبه النظام السياسي العربي عندما يربط (التشيع) بايران، فيتهم كل عائلة تتشيع في اي بلد عربي بانها حولت ولاءها الى ايران، لانه بذلك يستعدي تيارا فكريا وثقافيا وحضاريا هادرا، وبلا سبب.
ان التشيع حركة فكرية عظيمة، لا يمكن تحديدها او تحجيمها، فلقد ولى عهد الحجر على الافكار وانتهى زمن القهر الفكري والثقافي، فبعد ان شاع الفضاء للجميع، واسترخت قبضة آل سعود على الاعلام في العالم العربي، لم يعد بمقدور احد ان يحجم التشيع او يتهمه بباطل او يخيف الناس منه بالتضليل والخداع كما ظل يفعل الوهابيون طوال ثلاثة قرون ماضية، عندما وظفوا السيف والجريمة والمال الحرام والفتاوى الطائفية التكفيرية والسلطة السياسية التي اظلتهم منذ نجح آل سعود في السيطرة على بلاد الحرمين الشريفين بالغزو والقتل والفتك.
انني لا استغرب ان يصدر فقهاء البلاط فتاوى تحت الطلب تصب في خدمة السياسات العدائية التي تنتهجها الانظمة العربية ضد (الشيعة) في بلدانهم، الا انني استغرب كيف ينجر من يدعي الوعي والثقافة والحرص على مستقبل الامة، وراء مثل هذه السياسات؟.
وبهذه المناسبة، اود ان احيي علماء الازهر والكثير من علماء مصر الكنانة الذين وقفوا بكل شجاعة ضد هذه السياسات العدائية ليقولوا كلمة الحق عند سلطان جائر، عندما جاهروا بمواقفهم من دون ان تاخذهم في الله لومة لائم.
في مقابل ذلك، فانني احذر وعاظ السلاطين من انهم سيقفون غدا بين يدي المنتقم الجبار ويسالهم عن كل حرف نطقوا به وعن كل كلمة صرحوا بها، كانت سببا في تمزيق الامة وفي ظلم طائفة واسعة جدا من المسلمين، واخص بالذكر الشيخ القرضاوي الذي يخشى انتشار التشيع ولا يخشى انتشار التاثير الصهيوني من بوابة البلاد التي يقيم فيها (قطر) فلماذا لم ينبس ببنت شفة وهو يسمع ويرى زيارة اميرها الى (اسرائيل)؟ ام انه كان مشغولا باداء صلاة الليل؟.
السؤال الخامس:
ما هي، برايكم، الطريقة المثلى التي يجب ان يتعامل بها العراق مع دول جواره الاقليمي بعد ان ثبت ان غالبية تلك الدول هي من تدعم الارهاب والارهابيين داخل وخارج العراق؟.
الجواب:
اتمنى ان تتخذ الحكومة العراقية الخطوات التالية ازاء كل دولة من دول الجوار يثبت تورطها باي شكل من الاشكال بالارهاب:
اولا: ان تعلن للملا حقائق تورطها بالادلة والبراهين الملموسة، حتى لا تلام على اي رد فعل ضدها، وليعرف العراقيون ويميزوا صديقهم من عدوهم.
عليها ان تعرض اعترافات الارهابيين على شاشات التلفزة العالمية فضلا عن العراقية، لتفضح مصادر تمويلهم وكل متورط معهم من اجهزة مخابرات وعناصر حكومية وفقهاء تكفير ومؤسسات اهلية، مالية وغيرها، وامراء ومؤسسات اعلامية ومدارس تفرخ الارهابيين.
ثانيا: ان تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع هذه الدولة المتورطة، وتحرمها من فرص الاستثمار والتجارة، ومن كل الفرص.
ثالثا: ان تحاكم من تلقي عليه القبض من رعايا الدولة المتورطة طبقا لقوانين القضاء العراقي، وان لا تسلم اي واحد منهم الى دولته، فلقد ثبت بالدليل القاطع ان من تم تسليمه من الارهابيين الاجانب الى بلدانهم، قد اطلق سراحهم بعد فترة ليعودوا يمارسوا الارهاب في العراق من جديد.
رابعا: تقديم شكاوى قانونية ضد الدولة المتورطة الى مجلس الامن وهيئة الامم المحدة وفي كل المحافل الدولية، فان تسمية المتورطين وعدم الحجر على اسمائهم وصورهم وكل المعلومات المتعلقة بهم، عن المجتمع الدولي امر في غاية الاهمية.
خامسا: تمكين اسر الضحايا من تقديم شكاوى قضائية ضد الدولة المتورطة الى المحكمة الجنائية الدولية، لمقاضاتهم، فالى متى يولغ هؤلاء بدماء العراقيين؟ والى متى تتستر الدولة العراقية على المجرمين؟ والى متى تلجا الى التقية، فتجامل وتداهن؟ الم يقل رسول الله (ص) انه {لا تقية في الدماء)؟.
سادسا: ان تبادر الدولة العراقية الى فتح كل الملفات القديمة المتعلقة بالدولة المتورطة بدماء العراقيين، فنحن نعلم جيدا ان العديد من هذه الدول متورطة بدماء العراقيين منذ اكثر من ثلاثة عقود، ايام كانت تقدم كل انواع الدعم لنظام الطاغية صدام حسين، ليشن حروبه العبثية في الداخل والخارج، كما ان العديد منها متورط بدماء المواطنين العراقيين الذين كانوا يقيمون على اراضيها، ان من خلال تسليمهم الى اجهزة النظام البائد الامنية والاستخباراتية ليتم اعدامهم في داخل العراق، او من خلال تسهيل عمل وحركة عناصر اجهزة النظام لاغتيالهم وتصفيتهم.
سابعا: وفي خطوة متقدمة، يجب على حكومة العراق ان تتعامل بسياسة المثل، اذا لم تردع كل هذه الاجراءات الدول المتورطة، فتسمح، مثلا، لمن يحب من العراقيين التدخل في شؤون هذه الدول المتورطة، لدعم الازمات الداخلية، وبحمد الله تعالى فان كل دول الجوار تعيش ازمات يمكن للعراقيين ان يتدخلوا فيها طبقا لقاعدة التعامل بالمثل.
السؤال السادس:
في العام الماضي، دعوت الى اطلاق حملة وطنية كبرى لتسهيل عودة العراقيين المهجرين والمهاجرين الى وطنهم ليساهموا في اعادة بناء العراق، اين وصلت تلك الحملة؟ وما هو مدى الاستجابة لها من قبل العراقيين في المهجر؟.
الجواب:
انا اؤمن وبقوة، ان العراقيين في بلاد المهجر هم ثروة وطنية استراتيجية عظيمة، لم يلقوا لحد الان الاهتمام المناسب من قبل الدولة العراقية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عودتهم الى البلاد للمساهمة في اعادة اعمار وبناء العراق الجديد، مهمة شاقة جدا، ولذلك كانت دعوتي هي لاطلاق حملة وطنية متكاملة ومتكاتفة من اجل انجاز هذا المشروع الضخم، اذ لا يكفي ان تهتم الحكومة العراقية بهذا الموضوع، كما لا يكفي عقد مؤتمر او تشكيل لجنة، بل يجب، برايي، وضع خطة كاملة من اجل انجاز هذا المشروع.
لقد شهدت الدعوة استجابة رمزية من قبل الدولة العراقية، تمثل بعقد مؤتمر الكفاءات في كانون الاول من العام الماضي، رعته الهيئة الرئاسية لمجلس النواب العراقي، وشخص الاخ العزيز الاستاذ الشيخ خالد العطية، النائب الاول لرئيس مجلس النواب، الا ان النتائج كانت متواضعة جدا، خاصة بعد ان تحول وقتها المؤتمر الى مادة للدعاية الانتخابية، والتنافس الحزبي، وتاليا دخل في دهاليز المحاصصات والحزبيات الضيقة، ما اثر بشكل كبير جدا على مستقبل المؤتمر، ونتائجه المرجوة.
اعيد واكرر القول بان ملف العراقيين في بلاد المهجر هو ملف وطني صرف يجب ان تتبناه الدولة بعيدا عن المحاصصات والحزبيات والحملات الانتخابية، والا فانا على يقين بان لا احد منهم سيعود الى العراق اذا ما وجد نفسه في وسط مثل هذه التجاذبات، لان اغلب العراقيين في الخارج هم شخصيات مستقلة لا تنتمي الى حزب او جهة سياسية معينة، وان الكفاءات لا تبحث عن مناصب وانما تبحث عن فرصة عمل تخدم بها بلدها، من خلال توظيف ما تعلمته واكتسبته خلال اقامتها في بلاد المهجر.
اتذكر ان احد العلماء العراقيين المهاجرين سافر الى العاصمة بغداد في العام 1978 بناء على مشروع (عودة الكفاءات العراقية) الذي كان قد اطلقه النظام آنئذ لترغيب العراقيين في بلاد المهجر للعودة الى بلادهم، وفي لقاء جمع هذا العالم مع المسؤول عن ملف المشروع في رئاسة الجمهورية، سال الاول الثاني، عما ستقدمه الحكومة العراقية له ليفكر بالعودة الى بلده، فاجابه بالقول، ان السلطة السياسية قررت ان تعينك وزيرا في الحكومة، ظنا منه بان مثل هذا الموقع سيسيل لعاب العالم فيعود راكضا مهرولا الى بلاده، الا انه صدم بجواب العالم عندما قال له، وماذا يمكن ان افيد بلدي من موقع منصب الوزارة؟ فرد عليه المسؤول بالقول، اذن ماذا تريد اكثر من هذا الموقع؟ هل تريد ان تصبح رئيسا للجمهورية مثلا؟ فقال له العالم، لا لا اعوذ بالله لا اريد ذلك، فماذا تريد اذن؟ ساله المسؤول، فرد عليه العالم، اريد مختبرا يحوي على كل المعدات المطلوبة لاباشر ابحاثي العلمية فيه خدمة لبلدي، فرد عليه المسؤول، سننظر في الموضوع، ونخبرك، ومنذ ذلك اليوم والى الان لم ترد عليه الدولة العراقية، وهو لا زال ينتظر.
وباختصار، اعتقد ان هذا الملف بحاجة الى ما يلي:
اولا: حملة وطنية بكل معنى الكلمة تشارك فيها مؤسسات الدولة العراقية ومنظمات المجتمع المدني كل في اختصاصه والجامعات ومراكز الابحاث والمؤسسات التعليمية والصحية وغيرها من المؤسسات المتخصصة، كل في مجال عمله.
ثانيا: ابعاد الملف عن الامراض السياسية كالمحاصصة والتوافق والحزبية، فلا تدعو هذا الملف يتلوث بامراض السياسة، والا فسنخسر اعظم ثروة وطنية.
ثالثا: حل كل المشاكل القانونية والادارية المتعلقة بهذا الملف، كاصدار الجنسية او جواز السفر، او تاشيرة الدخول او ما اشبه، فانا اعرف اشخاصا دعتهم مؤسسات عراقية رسمية للسفر الى بغداد في مهام علمية، الا انهم لم يحصلوا على جواز السفر العراقي لحد الان، بالرغم من مرور قرابة ستة اشهر على موعد تقديمهم للوثائق الازمة الى السفارات العراقية لاصدار الجواز العراقي.
رابعا: ايلاء الدولة العراقية اهتماما اكبر بالجاليات العراقية في بلاد المهجر لتحسسهم بوطنيتهم وبانتمائهم، ليفكروا بشكل جدي في العودة او على الاقل في التردد على العراق الجديد، في اطار برامج خاصة تعدها الدولة العراقية في هذا الاطار.
خامسا: تامين الجانب الامني لمن يعود منهم الى البلاد، فكما هو معلوم فان هذه الطاقات والكفاءات مستهدفة من قبل اكثر من طرف، سواء من مجموعات العنف والارهاب او من قبل الجماعات الظلامية والجاهلة، او حتى من قبل اجهزة استخبارات اقليمية ودولية لا تريد لمثل هذه الطاقات ان تعود الى العراق للمساهمة في اعادة بناء العراق والنهوض به.
نقطة مهم بهذا الصدد يجب ان لا نغفل عنها، وهي اننا عندما نتحدث عن هذا الملف فان الامر لا يقتصر على عودة العراقيين بمفهوم الانتقال الى بلدهم بالكامل وترك بلد الهجرة، فقد لا يستطيع الكثير منهم فعل ذلك لاسباب قانونية اوفنية او حياتية اوعائلية او غير ذلك، ولذلك يجب ان تضع الدولة العراقية برامج مختلفة للاستفادة منهم ، كل بحسب الطريقة التي تلائمه والاسلوب الذي يقدر عليه، فبعضهم يمكن ان يقدموا استشارات في مجالات اختصاصهم، والبعض الاخر يمكنه ان يساعد على ايجاد فرص تطوير الكفاءات العراقية المحلية من خلال زيارات ميدانية ودورات تاهيلية في فترات زمنية محددة، وهكذا.
اعتقد ان من المهم جدا ان تتشكل لجنة متخصصة بهذا الامر، لتستمع الى العراقيين، قبل ان ترسم استراتيجيتها، فهم اعرف من غيرهم بالطرق التي يمكنهم من خلالها خدمة بلدهم.